وقفة مع إعادة هيكلة قطاعات سوق الأسهم

[email protected]

مستهدفة مواكبة النمو المطرد في عدد الشركات المدرجة وتنوع أنشطتها، وبالاعتماد على القدرات والإمكانيات التقنية لنظام التداول الجديد، تعد هيئة السوق المالية السعودية مشروعاً لإعادة هيكلة قطاعات السوق وتطوير المؤشرات الرئيسية والقطاعية لكي تعكس التغيرات السعرية بشكل أكثر دقة. ومن الأمور الإيجابية التي تحسب لها هو توجه الهيئة بإعلانها عن مشروع إعادة الهيكلة وطلب رأي ووجهات نظر المختصين على الرغم من أن الوقت المحدد لإبداء وجهات النظر الاختيارية والتي تعتبر بمثابة استشارة مجانية يبلغ نحو أسبوعين فقط،. بداية، أرى أن المدة المحددة لأخذ مرئيات المختصين قصيرة جداً وغير عملية بتاتاً، فأي تحليل ورأي لقرار مهم كإعادة هيكلة السوق المالية يمكن أن يتخذ في أسبوعين؟ هذا مع افتراض عدم وجود أي مشاغل وأعمال أخرى للمختصين - مع أنه افتراض غير معقول.
وبقراءة للمشروع الأول المتعلق بإعادة هيكلة قطاعات السوق، يتبين أن منهجية تصنيف الشركات ضمن مختلف القطاعات كما وردت بإعلان هيئة السوق المالية يشوبها الكثير من الضبابية والاختزال بما يشكل عائقاً كبيراً لفهم معايير التصنيف والتوزيع بين القطاعات. فالمنهجية بحسب الوارد في الإعلان تعتمد على النشاط الرئيسي للشركة، توظيف الأصول، نسبة إيراد كل نشاط من إجمالي إيرادات الشركة، وإضافة إلى عدد من المتغيرات الأخرى. إذن، فالمتغيرات المستخدمة مذكورة بالاسم فقط دون تفصيل لأوزانها الترجيحية، نسبها المئوية، وأهميتها النسبية ومداها الزمني، ليخلص الإعلان إلى نتيجة تتضمن الوصول إلى 14 قطاعاً مقترحاً مقارنة بثمانية قطاعات في الوقت الحالي. هنا تثار عدة تساؤلات، هل المعني بالنشاط الرئيسي هو ما ورد في نظام تأسيس الشركة؟ أم هو ما تم توفيره لوزارة التجارة من نشاطات رئيسية قد يتباين الاهتمام بها تبعاً لاستثمارات وأعمال الشركة؟
والتساؤل الثاني يتعلق بمتغير توظيف الأصول، فما الأصول المعنية تحديداً، وما هي مجالات توظيف الأصول التي تحدد الانتماء إلى قطاع معين دون غيره؟ فمثلاً، لو قامت شركة بتوظيف أصولها في مجال يتعارض مع المتغير الأول المتعلق بنشاط الشركة، هل سيتم الاعتماد على متغير نشاط الشركة أم متغير توظيف الأصول؟
أما التساؤل الثالث فيتعلق بالمتغير الثالث الوارد في الإعلان وهو نسبة إيراد كل نشاط من إيرادات الشركة إلى إجمالي الإيرادات. فإذا كانت نسبة إيراد لا يتعلق بنشاط الشركة كبيرة مع أن نشاط الشركة مختلف، هل سيتم الاحتكام إلى نسبة الإيرادات أم إلى متغير نشاط الشركة؟ وإذا تم الاحتكام إلى أحدها كنسبة الإيرادات من إجمالي الإيرادات، فهل سيتم تصنيف الشركة بانتمائها لأي من القطاعات تبعاً لنتائج الربع الأخير؟ أم النتائج السنوية للإيرادات والأصول؟ أم لأي فترة زمنية متتالية؟ هذه التساؤلات منطقية وطبيعية لأي مستثمر، والإجابة عليها واجب لا مناص منه لهيئة السوق المالية التي علمنا أنها تتمتع بأريحية للتعامل مع النقد والاقتراحات.
فما الأهمية النسبية لكل من المتغيرات المستخدمة لتصنيف الشركات ضمن مختلف القطاعات، وما الأساسيات النظرية، القياسية، والتطبيقية التي تؤدي إلى قرارات كهذه؟ فمثلاً، اعتمد الزميل عبد الحميد العمري في مقالته المنشورة في "الاقتصادية" بتاريخ 3/11/2007 على الوزن النسبي في المؤشر لقطاعات الإعلام والنشر، النقل، والفنادق والسياحة ليقترح أن يتم دمج هذه القطاعات تحت مسمى "قطاع الخدمات". أتفق مع الزميل عبد الحميد في اقتراحه، إلا أن معيار الوزن النسبي يظل غير كاف، فالمطلوب هنا هو آلية لتصنيف الشركات تتيح للمستثمرين والمتابعين مقدارا أكبر من الشفافية وتوقع قرار الجهات التنظيمية كأي جهة تنظيمية أخرى في أي بقعة من العالم.
ومن وجهة نظر شخصية، أرى أن إعادة هيكلة السوق يجب أن تعتمد على دراسة جادة ترتكز على النظرية المالية والاقتصاد القياسي التطبيقي لتوضيح الأسباب وراء تصنيف مختلف الشركات في مختلف القطاعات تبعاً لنماذج كمية تضمن المساواة في التعامل مع الشركات والشفافية للمستثمرين. وتحديداً، لماذا لا يتم تصميم نموذج أو معادلة رياضية مبنية على أساس علمي واضح تربط مختلف المؤشرات المالية والتشغيلية وأهميتها بنتائج التصنيف، على أن تتسم بالديناميكية، التحديث، والتأقلم مع المستجدات، وأن يتم نشرها وتفاصيلها للباحثين والجهات ذات العلاقة بمن فيهم المستثمرون لإبداء الرأي في الآلية؟
وأخيراً، من الصعب طرح المرئيات المتعلقة بإعادة هيكلة سوق مالية في مقالة واحدة مع محدودية البيانات وتفاصيل منهجية التصنيف المتبع في إعلان الهيكلة الجديدة. بيد أن المهم التأكيد عليه هو أن هيكلة قطاعات السوق المالية يجب أن تبنى على نماذج علمية توضح محددات نمو العوائد والمخاطرة، محددات نمو الأرباح وتغيرات الخسائر للشركات المساهمة، ومحددات تغير النسب المالية، كل ذلك ضمن إطار متوسط شهري أو ربعي للنتائج على مدى فترة زمنية يتم تحديدها لاتخاذ قرار نقل إحدى الشركات من قطاع إلى آخر أو تصنيف إحدى شركات الطرح الأولي في قطاع معين دون غيره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي