مواطن ..استراتيجية.. سوق الأسهم!
بطبيعة الحال قرار الاستثمار هو في نهاية المطاف قرار شخصي سواء كان الشخص طبيعيا أو اعتباريا قائم على نظرة معينة ومحددة لهذا الشخص أو ذاك، وبالذات عندما يكون الأمر متعلقا بسيولة كانت متوافرة لشريحة واسعة من الأفراد كما حدث منذ عام 2004م وحتى انهيار السوق في بداية 2006م، حيث امُتصت بشكل أدى إلى تركز الملكية في أيدي أقلية، مما أدى إلى ضعضعة الطبقة الوسطى على وجه الخصوص بشكل أصبح عنصر "خلل" واضح في الدورة الاقتصادية! وهو الأمر الذي يبرز أهمية سؤال المليون: متى وكيف يتم الاستثمار؟ وبالذات للأفراد العاديين غير ذوي الاختصاص في أسواق المال. إن قرار الدخول إلى الأسواق المالية والكيفية التي يمكن الدخول بها لتلك الأسواق بمستوى أهمية القدرة المالية التي هي الأساس؟ إذاً القرار شخصي من منطلق الحرية المالية وبحكم القدرة أيضا، ولكن التوقيت والكيفية يجب أن يكونا بشكل مؤسسي لمصلحة المستثمر الفرد، أي عن طريق متخصصين في تلك الأسواق. مع ضرورة معرفة أن الأسواق المالية لها طبيعة معينة في التعاطي مع المخاطر وتقييمها حتى للمتخصصين. وقد شاهدنا ولا نزال نشاهد الكثير من حالات الانهيار أو التصحيحات التي لم يسلم من شرها حتى المتخصصين، الذين هم في أعلى هرم المهنية المالية! وعليه يجب معرفة مخاطر الأسواق المالية بشكل جيد وضرورة سؤال المتخصصين عن تلك المخاطر قبل اتخاذ القرار للدخول أو عدم الدخول.
يجب بداية ألا تكون القدرة المالية محدد "رئيسي" في دخول الأسواق المالية! لأن أحد أهم أهداف الأسواق المالية هو توفير القنوات الاستثمارية اللازمة لجميع الشرائح والقدرات المالية دون تمييز وتجميع المدخرات الصغيرة بهدف القيام بالمشاريع الكبيرة، ولكن توقيت الدخول في الأسواق المالية أو عدمه يختلف اختلافاً كبيراً عن قضية القدرة المالية، ويجب التفريق بينهما! من أهم عناصر قرار الدخول أو عدمه في الأسواق المالية هو معرفة مستوى المخاطر التي يرغب الفرد "المستثمر" أيا كانت قدرته المالية في الدخول فيها! وتحديد مستوى تلك المخاطر ومستوى الرغبة في تحملها من اليوم الأول للدخول. وهنا يأتي منطق الأشياء ليقول لنا إنه كلما قلت القدرة المالية "يفترض"، قلت الرغبة في أخذ مخاطر عالية. بمعني أن المستثمر الصغير من ناحية القدرة المالية الذي لديه مدخرات قليلة جمعت بعد عناء وتعب طويلين يجب ألا يتوجه إلى استثمارات عالية المخاطر، والعكس ليس بالضرورة أن يكون صحيحا. الأسواق المالية لا تعني أسواق الأسهم التي هي جزء من الأسواق المالية، ولكن يفترض أيضا أن هناك قنوات مختلفة داخل تلك الأسواق بمعدلات مخاطر مختلفة ما بين معدومة إلى عالية. وهذه مسؤولية الدولة في توفير قنوات متعددة لمواطنيها لاستثمار مدخراتهم وتطويرها، وهو الأمر غير المتوافر عمليا للجميع.
وقد ثبت من الناحية العملية أن هناك تقسيمات فرضتها التجربة المحلية لطبيعة المستثمرين ومستويات الثقافة المالية التي يتمتعون بها، مما جعل هناك مستفيدين قليلين وخاسرين كثيرين في سوقنا السعودي، كان معيارها الوحيد القدرة المالية، التي بكل أسف تعطى المزيد من النفوذ والتفوق، مما أخل بعدالة السوق لدينا! ولكن من الناحية العلمية التي بنيت عليها معظم فرضيات أسواق المال لا توجد تصنيفات بناء على القدرة في النجاح أو عدمه بمثلما هي لدينا. مستوى الثقافة الاستثمارية أو المعرفة يجب ألا يكون مجال نقاش. ومستوى الاطلاع يجب أن يكون بعدالة، فليس لأحد ميزة على الآخر في ضرورة توفير المعلومة. كل فرد يجب أن يعرف على وجه الدقة قدراته والمجالات التي يفهمها ويتحمل قراراته الاستثمارية، بشرط توافر المعلومة للجميع بالتساوي. فإذا كان غير ملم بالأسواق المالية بشكل مباشر عليه الاستعانة بمن يفهم بشكل رسمي ومرخص وإعطاؤه إدارة استثمار أمواله. وهذا هو التوجه السليم لشريحة كبيرة من المستثمرين الذين عليهم معرفة أن الأمور ستكون أكثر تعقيدا من السابق ومعدلات المخاطر أكثر تذبذباً!
وفي هذا الخصوص، فإن هناك العديد والعديد من الاستراتيجيات الخاصة بالاستثمار في أسواق المال، التي في معظمها استراتيجيات خاصة بالمتخصصين في تلك الأسواق، مثل استراتيجية توقيت الخروج والدخول في الأسواق المالية، واستراتيجيات تنويع المخاطر، واستراتيجية تنويع طبيعة الاستثمارات على المستويين العمودي والأفقي. وتبقى قضية توقيت الدخول والخروج من الأسواق المالية من أهم الاستراتيجيات التي بسببها نجح قليلون وفشل الأكثرية في تحقيق أهدافهم. وتجربة "ناسداك" منذ 1995م إلى 2000م خير دليل على أهمية تلك الاستراتيجية.
يجب معرفة أن ليس كل استراتيجية يمكن أن تنجح في كل الأسواق، حيث تظل كل سوق لها طبيعة معينة تميزها عن غيرها سلباً أو إيجاباً، والسوق المحلية حسب معرفتنا بها تفتقد كثير من الأساسيات، لذلك نجد أن الكثير من الشركات أو المستثمرين العالميين يحجمون عن الدخول في الأسواق الخليجية كمستثمرين لأن الأدوات التي يمتلكونها قد لا تعمل بشكل سليم، نظرا لتركيبة الأسواق الخليجية وبالذات السعودية، إلا كمضاربين قد يكونون خطرين. وكمثال تنوع القنوات الاستثمارية على أرض الواقع لا يوجد غير سوق الأسهم، التي تعد محدودة جداً وتحتاج إلى عمق وتنوع في الشركات وعدد الأسهم المتداولة.
السؤال المهم هو: ولماذا نحن مستعجلون كثيراً في تحقيق الأرباح! يجب أن نعلم أن الرابح الأكبر في وضع سوق الأسهم السعودية الحالي هو الذي يفكر على المديين المتوسط والبعيد وما عدا ذلك فإن النتيجة هي الخسارة ولا غيرها، وبالتالي على كل مواطن بسيط أن يفكر في استراتيجيتين متوسطة وطويلة الأجل له ولعائلته حتى يكون مع الرابحين ويستفيد من هذه الفرص.