رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الأعمال الخيرية بين الشعور الإنساني والاستعباد

[email protected]

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أقدمت أمريكا على حملة شعواء استهدفت فيها الجمعيات الإسلامية أينما كانت في الداخل الأمريكي أو في الخارج وضيقت الخناق على كل أعمال البر والخير وأصبح المسلمون والمراكز الإسلامية والجمعيات والمساجد وكل فرد يحمل اسماً عربياً أو إسلاميا أو تظهر عليه ملامح شرق أوسطية مستهدفين من الجهات الرسمية حيث تركز على نشاطاتهم وتحركاتهم وأصبحوا معرضين للاعتقال والاستجواب والمساءلة. كل هذا يحدث بحجة محاربة القاعدة أو الجماعات الإرهابية, وكم من الأساتذة والطلاب حصل لهم الاعتقال والاستجواب والإهانة والإذلال والسجن وليس ببعيد عنا ما حدث للدكتور العريان الأستاذ الجامعي والطالب السعودي حميدان التركي الذي لا تزال قضيته تشغل الرأي العام المحلي. لقد استبدلت الولايات المتحدة الشك محل الثقة والإهانة محل الاحترام والتقدير للأفراد والجماعات, وأوجدت قوانين تجيز الاعتقال دون دليل, وتجيز التنصت على الناس في اتصالاتهم الهاتفية سواء الاتصالات الداخلية أو الخارجية, وقد أحدثت هذه الإجراءات الضجر والضيق لدى المواطن الأمريكي الذي بدأ يحس بمصادرة حريته بحجة محاربة الإرهاب.
التضييق على أعمال الخير والمؤسسات القائمة عليه لم تقتصر على أمريكا بل امتد ليشمل دولاً أخرى ضغطت عليها أمريكا وقامت هذه الدول بإغلاق هذه الجمعيات والحد من نشاطها وإخضاعها للرقابة الصارمة, ومتابعة أنشطتها كافة مهما كانت, حتى أن الأنشطة الثقافية أو الدعم الذي قد تقدمه هذه الجمعيات أصبحت محل ريبة وحوصرت جميع أعمالها وتمت مراقبة التحويلات المالية مهما كانت المبالغ المحولة ومهما كانت جهة تحويلها.
هذا الوضع يتضح بصورة جلية في حالة الجمعيات الإسلامية وأعمال البر التي يقدم عليها رجال الأعمال المسلمون, والخيرون, وكم من الحسابات جمدت في أوروبا وأمريكا لأفراد ساعدوا مريضاً أو أنقذوا محتاجاً, لكن في المقابل نجد المجتمعات الغربية وأمريكا بالذات يعمل فيها مئات الآلاف من الجمعيات الخيرية التي تنشط في كل مكان من العالم, حتى أن هذه الجمعيات تمتلك رؤوس أموال ضخمة وطائرات ومستشفيات, ووسائل إعلام قوية, واستثمارات متنوعة وقوية. هذه الجمعيات لم تقتصر نشاطاتها في داخل بلدانها بل أنها تهب أينما وجدت الكوارث والحروب والمحن فما أن يقع زلزال أو فيضانات أو مجاعة إلا وتجد أفراد هذه الجمعيات ينتشرون في الدولة التي يحدث فيها مثل هذا الأمر ويعملون داخل المخيمات. ترى هل النزعة الإنسانية هي التي تحرك هذه الجمعيات وأفرادها أم أن أهدافاً أخرى تقف وراء مثل هذه الأنشطة؟ للإجابة على هذا السؤال لابد من إعطاء الحقائق والأمثلة الواقعية, لقد وجد أن عدداً كبيراً ممن يقومون بأنشطة الإغاثة في بنجلادش هم من المنصرين الذين وجدوا في الظروف الصعبة, وحالة الفقر, والعوز التي يمر بها الناس خاصة بعد الفيضانات المتكررة فرصة يستغلونها في التأثير في هؤلاء الناس, كما أن الأمر ينطبق على إندونيسيا والتي تعرضت هي الأخرى لمحن الزلازل, ويكفي أن نعلم ما حدث من رجال الإغاثة الغربيين الذين استغلوا أيتام تسونامي بحجة العون والمساعدة. جماعة التنصير الكورية الجنوبية والتي جاءت لأفغانستان تحت غطاء مساعدة الأفغان تكشف دورها في التأثير العقدي. الغرب الذي يحارب أعمال الخير التي مصدرها بلد إسلامي أو فرد مسلم أو جمعية يقوم عليها مسلمون يعطي نفسه الحق في التدخل في ثقافة الناس وقيمهم ومعتقداتهم, ولعل ما حدث لجمعية آرش دوزي الفرنسية في تشاد أكبر دليل على الدور العقدي الذي تمارسه هذه الجمعيات مستغلة بذلك حاجة الناس وبؤسهم بما يتوافر لها من إمكانات هائلة. استوقفني هذا الحدث الذي تمثل في اعتقال أفراد المجموعة الذين جاءوا لتشاد حاملين شعار العمل الخيري للمنكوبين بسبب الحروب والتمرد الذي تقوم به بعض الجماعات سواء في تشاد أو في دارفور في السودان. والغريب في الأمر أن هذه المجموعة دخلت تشاد تحت اسم جمعية أخرى, ما يؤكد الدور المشبوه الذي يقومون به ويخططون له. لقد كشفت المعلومات المتوافرة حالياً أن اتفاقاً تم بين جمعية آرش دوزي وبين بعض العائلات الفرنسية التي دفعت مبالغ مالية بهدف الحصول على أطفال يتبنونهم, ويحدث ما يحدث بعد ذلك من استعباد وتسخير, واستغلال جنسي وتغيير للمعتقد. الجمعية الفرنسية في دفاعها عن نفسها قالت إنها استأذنت الحكومة الفرنسية في هذا الأمر, ولم تعترض على هذا الأمر, مما يعني الموافقة على عمل غير مشروع ولا يقره الدستور الفرنسي, ولا قانون تشاد, والسودان, أما المسؤولون الفرنسيون بدءاً من الرئيس ساركوزي ووزيرة الخارجية فقد نددوا بهذا الفعل وأنكروا علم أو موافقة الحكومة الفرنسية عليه, وفي وضع كهذا تضيع الحقيقة, كيف يتسنى لجمعية خيرية القيام بكل هذه الترتيبات التي تستهدف ترحيل أكثر من 100 طفل بحجة أنهم أيتام على متن طائرة؟ وكيف يمكن دخولهم الأراضي الفرنسية؟ هل سيدخلون دون تأشيرات, أم بتأشيرات؟ وما الأساس الذي ستمنح على أساسه التأشيرات لو افترضنا أن دخولهم فرنسا سيكون على هذا الأساس؟ هل سيمنحون تأشيرة طلاب أم مهاجرين أم عمال, أم ماذا؟! المهاجرون إلى فرنسا يواجهون الأمرين الآن وهم قد هاجروا بصورة شرعية ودخلوا فرنسا بتأشيرات من السفارات الفرنسية, يُهدد هؤلاء المهاجرون بالترحيل, أما هؤلاء الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة فإنهم يؤخذون من أهلهم ومن مخيماتهم بغرض المتاجرة بهم. الغرب الذي يباهي بحرصه على حقوق الإنسان والحرية, هو من يُشرع في مثل هذه التصرفات لقانون الغاب وانتهاكات حقوق الإنسان, ولا يمكن فهم ما يحدث إلا من خلال الانحراف الفكري والثقافي الذي تعانيه المجتمعات الغربية. مثل هذه الممارسات تذكر بما فعله الغربيون حين سرقوا الأفارقة من أمام بيوتهم ومن بين أيدي أهلهم وهاجروا بهم إلى الغرب واسترقوهم وأجبروهم على خدمتهم. إن دول العالم كافة والدول التي تحدث فيها الكوارث مطالبة بأخذ الحيطة والحذر من هذه الجمعيات التي تلبس رداء الإنسانية زوراً وبهتاناً, وقد يكون من المناسب وضع مكاتب مقيمة في المخيمات تتبع الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني الموجودة في البلد الذي تأتي إليه هذه الجمعيات وذلك بغرض مراقبة عملها, كما أن الأمر يستوجب معاقبة من يقدم على مثل هذه التصرفات بأشد ما يكون العقاب حتى لا تكون كرامة الناس وأعراضهم وإنسانيتهم محل عبث واستهتار ممن فقدوا المشاعر الإنسانية الحقيقية ووضعوا مساحيقها فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي