مظاهر الزواج .. مباهاة وبعد عن الأصالة (2 من 2)
بعد ظهور مقالي الأسبوع الماضي بهذا الشأن وردتني تساؤلات وتعقيبات بأنني لم أتعرض لما يحدث في الجانب النسائي من حفلات الزواج من المظاهر المصطنعة, والإسراف والتبذير, الذي يفوق ما يحدث في جانب الرجال, واستجابة لذلك سأخصص مقالي هذا الأسبوع لهذا الجانب, بعد أن ذكرني بعض الإخوة والأخوات بعض التصرفات والمظاهر التي تخرج عن نطاق المألوف.
وإذا تجاوزنا بطاقات الدعوة, وما غدت تظهر به من أشكال وأنواع تخرجها عن مفهوم بطاقات الدعوة, وتصل بأسعارها إلى حد استنفاد جزء مهم من تكاليف الزواج, نستطيع القول إن مجرد تلقي هذه الدعوات من قبل الأسر المدعوة قد غدا يشكل هما للأسر, لما يترتب على الاستجابة لها من تكاليف باهظة, لم تعد محصورة في ملابس الزواج التي غالبا لا تستخدم لأكثر من مناسبة, بل غدا الذهاب إلى المشاغل أو إحضارها في المنازل قاعدة لا يستثنى منها أحد, حتى الأطفال والأسر الفقيرة, لأن من يحضر سيواجه في الحفل بأسئلة فارغة كلها تدور حول المكان (المشغل) الذي قام بعملية التزيين, التي أحيانا تنقلب إلى عملية مسخ وتشويه, ومن ثم فلا غرابة أن يصل إنفاق السعوديات من خلال هذه العمليات إلى مليارات الريالات, وأن تكون حفلات الزواج بمثابة فتح عظيم لنمو هذا النوع من الأعمال التي يصيب روادها من النساء غشاوة في البصر والبصيرة حين تمتد أيديهن بسخاء بما تطلبه هذه المشاغل, رغم أن معظمها غير مرخص أصلا لما يقوم به من أعمال, بل هي, كما يبدو من اسمها, مرخصة كمحال خياطة ملابس, ومن ثم فليس هناك دالة لأي من المتعاملات, عليها, عند وقوع ضرر لها بسببها, على المطالبة بحقها منها, كما أنه ليست هناك رقابة لأي جهة على مضمون الأعمال التي تقوم بها في مجال التجميل, سواء من ناحية التأكد من خلو المستحضرات التي تستخدمها من المواد الضارة أو المسرطنة, أو ما يضمن استخدامها في وقت صلاحيتها, أو ما يضمن توافر المتطلبات الصحية والنظافة في كل من الأدوات والعاملات. وكم من امرأة تضررت من هذه المشاغل, وأورثها التعامل معها مشكلات صحية مزمنة, فلم تجد ما تفعله غير اجترار الخيبة, والبحث عن علاج في المستشفيات المتخصصة.
ولا يوجد ما يصور حالة انتشار المشاغل النسائية غير أنها وجدت في مجتمع نسوي خامل, نشأ في أجواء القنوات الفضائية الهابطة وتحت تأثيرها, ولم يعد يعترف بمقاييس الجمال الطبيعي, حتى وإن وجدت, فانطلقت إلى هذه المشاغل في عملية مسخ مشوه لذلك الجمال.
ولأن الطاسة ضائعة, كما يقال, فإن مسؤولية الرقابة على مثل هذه الأعمال من قبل أي جهة حكومية, ضائعة هي الأخرى, فلا توجد جهة واحدة يمكنها أن ترخص لما تقوم به هذه المشاغل من أعمال, وإذا وجدت جهة مرخصة لنوع واحد من العمل, فإنها تتنصل من المسؤولية بحجة عدم ترخيصها لبقية الأعمال التي تشمل كل شيء, حتى ما يمارس منها في الظل والعتمة. يضاف إلى ذلك صعوبة الرقابة فيما لو أردناها, إذ لا يستطيع المراقبون من الرجال الاقتراب من أبواب هذه المحال الموصدة, وحتى لو توافرت مراقبات, وهو أمر مستبعد, فليس بالإمكان فرض رقابة مستمرة طالما أن هناك أعمالا تتم في الخفاء.
والخلاصة, أن الأسر لم تعد ترحب بدعوات الزواج, وكثير منها يصيبها الهم حين تتلقاها, والأسرة التي ترى أن حضورها لازم, تعاني حالة ارتباك مالي في ميزانيتها من جراء ما سيترتب على الحضور من نفقات.
أما إذا التفتنا إلى ما تتصف به حفلات النساء من مظاهر, فإن أقل ما يمكن أن يقال إنها تتجاوز حدود المنطق والمعقول من حيث التكاليف الباهظة ابتداء من توفير أصناف مبتدعة من الحلويات والهدايا ووسائل الزينة والديكور, والمبتكرات التي يوجد من يوفرها ويسوقها, وانتهاء بموائد الطعام التي تتجلى فيها مظاهر البذخ والتبذير إلى حد الاشمئزاز والشعور بالألم, لمن كان له قلب, على إهدار النعمة وانتهاك حرمتها, عندما يرى تلك الموائد تترك وكأنها لم تمس, حتى وإن قيل إن الجمعيات الخيرية تستدعى لحملها إلى من يأكلها, لأن في ذلك إذلالا لمتلقي هذه البقايا التي لن تصله إلا في اليوم التالي بعد أن تكون قد تعرضت للتلوث وربما الفساد, وليس هناك دين أو عرف أو حتى ذوق يؤيد هذه الممارسة في إعداد ولائم باذخة لكي يراها المدعوون فقط, ومن يريد فعل الخير عليه أن يعطي الفقراء جزءا من قيمة هذه المواد قبل تلوثها.
يضاف إلى ما ذكرنا العادة السيئة المبتدعة, وهي حضور المدعوات قريبا من منتصف الليل أو بعده, وهو أمر يقلل من وقت استمتاعهن بالمناسبة, ويعرضهن للمخاطر ومظان السوء في حضورهن وعودتهن في أوقات مشبوهة. فضلا عما يترتب على ذلك من تركهن بيوتهن وأطفالهن في وقت يلزم وجودهن فيه.
أعود قبل أن أختم لأقول إن مظاهر الزواج في شقيها الرجالي والنسائي, كلها مباهاة وإسراف وبعد عن الأصالة الحقيقية لمثل هذه المناسبة, وفيها مخالفة لتعاليم الدين المتمثلة في محاربة الإسراف وهدر المال, وفيها أيضا تكليف على الأسر, سواء أصحاب الدعوة الذين يكونون في تعب وشغل شاغل منذ تحديد موعد الزواج إلى ما بعد انقضائه, ثم في هم دائم بعده من أثر الديون التي تراكمت بسببه, حتى المدعوون الذين ينالهم ما ينالهم من هم تدبير التكاليف المترتبة على الحضور, والمؤسف أن الأمر في ازدياد ومبالغة, وما رأيناه هذه السنة يفوق ما رأيناه في العام الماضي, وما سنراه في العام المقبل سيكون أسوأ, لأنه لا أحد يعي أو يرعوي, ولا أحد ينبري بالنصح والتوجيه, والتحذير من مغبة ما نحن فيه, ولا أحد يريد أن يكون القدوة ويسهم في تيسير الأمور وتبسيطها على الناس, لأن الكل فقد الإرادة وأصبحت القيادة, في مثل هذه الأمور, في يد من لا يحسنها.
والله من وراء القصد