التكامل الخليجي يعوق القرار الاقتصادي
أكد وزراء المالية الخليجيون الأسبوع الماضي أنهم اتفقوا على عدم تغيير سياسة صرف عملات بلدانهم بإبقائها مربوطة بالدولار عند مستوياتها الحالية، كما أكدوا أن أسعار الفائدة ستحدد وفق متطلبات الاقتصاد المحلي وأنهم غير ملزمين باقتفاء أثر البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. بعد أربعة أيام فقط من هذه التصريحات، قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إجراء خفض إضافي في معدلات الفائدة على الدولار، فمعدل فائدة التمويل الفيدرالي، وهو سعر الفائدة الذي تُقرض به البنوك فائض احتياطها القانوني لدى البنك المركزي إلى البنوك الأخرى لليلة واحدة، خُفض بربع نقطة مئوية ليصبح 4.5 في المائة، كما خُفض سعر الحسم، وهو سعر فائدة اقتراض البنوك من البنك المركزي في المدى القصير، بربع نقطة أيضا ليصبح 5 في المائة. البنوك المركزية الخليجية وعلى خلاف ما تعهدت به قبل أيام فقط سارعت إلى اقتفاء أثر "المركزي الأمريكي" وخفضت معدلات الفائدة في تراجع واضح عن قولها إنها تستطيع تحديد أسعار الفائدة باستقلالية تامة عن معدلات الفائدة على الدولار.
فقد ترتب على قرار البنك المركزي الأمريكي أن أصبح سعر التمويل الفيدرالي يقل عن سعر اتفاقية إعادة الشراء العكسية، وهو سعر الفائدة المماثل لدى مؤسسة النقد العربي السعودي، 0.5 نقطة، كما أصبح سعر الحسم الأمريكي يقل 0.5 نقطة أيضا عن سعر الفائدة المماثل في السعودية وهو سعر اتفاقية إعادة الشراء، وهو وضع غير قابل للاستمرار تترتب عليه زيادة في الطلب على الريال وتضخم في حجم السيولة محليا. لذا قررت مؤسسة النقد العربي السعودي تخفيض سعر اتفاقية الشراء العكسية ربع نقطة لتبقي فجوة قدرها ربع نقطة بينه وبين سعر فائدة التمويل الفيدرالي، فيما قررت إبقاء سعر اتفاقية إعادة الشراء دون تغيير في محاولة لثني البنوك عن الاقتراض المباشر من مؤسسة النقد.
ما يجعل من المناسب التساؤل عن دور التكامل الاقتصادي الخليجي في إعاقة وبطء عملية صنع القرار الاقتصادي في دول المجلس، خاصة في ظل محدودية وضآلة ما تم إنجازه من خلال هذا التكامل. فرغم مرور ما يزيد على 25 عاما على قيام المجلس، فإنه لا يزال يعاني عدم القدرة حتى على استكمال أبسط أشكال التعاون الاقتصادي، كإنشاء منطقة تجارة حرة دون عوائق، وما زال الكثير من العقبات يواجه استكمال قيام اتحاد جمركي أبرزها توقيع عدد من دول المجلس اتفاقيات تجارة حرة ثنائية منفردة، ما يجعل الحديث عن إقامة وحدة نقدية بين دول المجلس عام 2010، أي بعد عامين فقط من الآن، ضربا من الخيال غير الواقعي.
ولعل من أبرز دلائل إعاقة العمل الاقتصادي الخليجي المشترك لصنع القرار الاقتصادي اضطرار عدد من دول المجلس إلى التفاوض المباشر مع الدول الأخرى وتوقيعها اتفاقيات تجارة حرة منفردة وعدم انتظار الوصول إلى اتفاقيات جماعية كما يحتمه كونها عضوا في اتحاد جمركي، وكذا قرار عُمان إبلاغ أمانة مجلس التعاون انسحابها من مشروع الوحدة النقدية وقرار الكويت فك ارتباط عملتها بالدولار وربطه مرة أخرى بسلة عملات على خلاف ما تم الاتفاق عليه بين دول المجلس باستمرار ربط عملاتها بالدولار إلى أن تطلق العملة الخليجية الموحدة. وهذه مؤشرات واضحة على صعوبة تجدها دول المجلس في اتخاذ قرارات اقتصادية جماعية، ما تسبب في بطء صنع قرارها الاقتصادي، وأجبر بعض دول المجلس على اتخاذ قرارات منفردة في تجاهل تام لما تم الاتفاق عليه بين دول المجلس، وأصبحت الاجتماعات التنسيقية في الجانب الاقتصادي سببا في تأخر اتخاذ قرارات اقتصادية كانت لا تحتمل التأخير مطلقا، ولعل ذلك يتجلى بوضوح تام في تأخر دول المجلس الشديد، وغير المبرر، في اتخاذ إجراء مناسب يحمي اقتصاداتها من التراجع الحاد في سعر صرف الدولار.
إن تماثل القاعدة الاقتصادية في دول المجلس، كونها جميعا تنتج النفط والغاز وتستورد معظم احتياجاتها من خارج دول المجلس، حد في الواقع من جدوى خطوات التكامل الاقتصادي ورفع من تكلفتها الاقتصادية، كما أن عدم وجود آليات ملزمة تحدد مواعيد نهائية لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه وتجاوز معوقاته فاقم من تأثير كل ذلك، ما جعل التأجيل ومنح الاستثناءات الصفة الطاغية على قرارات التكامل الاقتصادي. وإذا أخذنا في الحسبان أن الاجتماع الأخير للجنة التعاون المالي والاقتصادي هو الرابع والسبعون لها، فإن تواضع ما تم إنجازه من هذه الاجتماعات يؤكد أن هذه اللقاءات العديدة لم تكن مثمرة ولا ذات جدوى، وأن كل ما حققته دول المجلس في الجانب الاقتصادي كان ممكنا تحقيقه حتى بدونه، يدل على ذلك أن عددا من دول المجلس قد فتحت اقتصاداتها للمستثمر الخليجي بل وحتى الأجنبي بما يفوق كثيرا ما تم الاتفاق عليه جماعيا ضمن إطار المجلس، ما جعل بطء اتخاذ القرار الاقتصادي ثمنا باهظا جدا تتحمله الاقتصادات الخليجية نتيجة صعوبة تنسيق دول المجلس مواقفها وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات جماعية في الوقت المناسب وليس بعد فوات الأوان.