"موديلات" الموارد البشرية
ما أفضل سيارة؟
إذا كانت الإجابة من شخص لا يعرف أنواع السيارات وتنوعها واختلافها فقد يقول المرسيدس أو بي أم دبليو أو لكزس أو غيرها، لكن إن كانت الإجابة من شخص يعرف تنوع السيارات واختلافها فقد يقول أن أفضل السيارات يعتمد على نوعية الاستخدام. فإذا كانت السيارة ستستخدم لغرض التنزيل والتحميل فيفضل استخدام سيارة "بيك أب" أما إذا كانت السيارة ستستخدم في النفوذ أو الجبال فقط تكون الأفضلية للجيب أما إذا كان للسباق فقد تكون سيارة الفراري أو البورش يكون لها الأفضلية. فالجواب يعتمد على الاستخدام فليس هناك سيارة يمكنها أن تؤدي الفعالية نفسها لكل هذه الاستخدامات.
قد لا يكون عيبا عدم معرفتنا بالسيارات وتنوعها لكن من المؤسف أننا لا نعرف قدرتنا بأنفسنا بالمعرفة نفسها. قد لا يكون عسيرا معرفة الاستخدام الأفضل لكل نوع سيارة لكن معرفة الموارد البشرية وتنوعها وقيمتها من أهم الصعوبات التي تواجه مؤسستنا سواء على مستوى القطاع الحكومي أو القطاع الخاص.
لو تأملت الدول الصناعية نجدها تشترك في كونها ليس بالضرورة أنها الدول الأكبر مساحة أو ألأكثر مساحة زراعية أو بامتلاكها معظم الموارد الطبيعية لكننا نجدها تتميز بامتلاكها موارد بشرية منتجة. فمثلا اليابان من الدول التي لها تأثيرها الاقتصادي والصناعي والسياسي مع كونها دولة تفتقد الموارد الطبيعة، كما أن مساحتها صغيرة جدا مما يمنعها من تبني مشاريع تتطلب مساحات واسعة. لكن اليابان استثمرت في الموارد البشرية بصورة جعلها مصدرا للعديد من المفاهيم الإدارية الناجحة.
لعله من المعلوم أن تغيير اسم إدارة شؤون الموظفين إلى الموارد البشرية لم يكن الهدف منه تغيير الاسم فقط بل تغيير المحتوى. فالدراسات أثبتت أن دور الموارد البشرية المؤهلة حيوي في تطوير بيئة العمل بقدر أهمية - إن لم يكن أكثر - توافر الموارد المالية. بل إن استثمار الموارد المالية لن يتحقق له النجاح دون توافر الموارد البشرية المبدعة في استثماراتها. للأسف أننا نعتقد أن المهم وجود أشخاص في مراكز قيادية دون التأكد من فاعليتهم ومدى تأهيلهم للقيام بالمهام الموكلة بهم.
قد يكون استثمارنا في الموارد البشرية خصوصا في المجال الرياضي سببا في علو كعب الرياضة السعودية آسيويا. فبعض اللاعبين دفع في مقدم عقدهم الاحترافي أكثر من عشرين مليونا بينما بعض اللاعبين لا تتجاوز رواتهم بضعة آلاف. فتأثير الموارد البشرية في المجال الرياضي مرئي ومن السهل الحكم عليه. فمن يجيد الحراسة ليس بالضرورة أن يبدع في مركز مهاجم أو مدافع. فهل نجاح الحارس في الدفاع عن عرينه أن يطالب بأن يبدع بالمقدار نفسه في خط الدفاع أو الوسط أو الهجوم؟ قد لا نلوم مدفع عند إضاعته هدفا عند انفراده بالمرمى نظرا لكون تميزه كمدافع لا يعني بالضرورة تميزه كمهاجم. في الجانب الآخر نجد أن اللاعب صاحب المبادرة أو ما يطلق عليه اللاعب صانع الألعاب يعد اللاعب النادر الذي يساوم عليه كثيرا نظرا لدوره غير المرئي بالضرورة لكنه اللاعب المجهول الذي يقف خلف كثير من الأهداف.
لذا فإن تقييم الموارد البشرية يجب أن يكون من خلال مقارنة المؤهلات سواء العلمية أو العملية إضافة إلى الاستعداد الشخصي للقيادة. فتقييم الموارد البشرية يجب ألا يكون مزاجيا أو عاطفيا بل يجب أن ينظر له كل في مجاله. فمن لديه قدرة بحثية مميزة قد لا يكون إليه الاستعداد الشخصية لتولي منصب قيادي تشغيلي، كما أن الإبداع الأكاديمي قد لا يعني نجاحا في مجال الإداري والقيادي وقد سبق أن بسطت الحديث في هذا الموضوع في مقال سابق بعنوان "الأكاديمي الإداري".
فهناك من لديه قدرة للتواصل مع الأشخاص بشكل مميز وهناك من لديه قدرة على سن الأنظمة والقوانين، وهناك من يبدع في تحليل المشكلات مع إيجاد أفضل الحلول العملية لها، وهناك من لدية مبادرات لتطوير بيئة العمل بشكل مميز، وهناك من لديه قدرة على تطبيق الأنظمة بشكل احترافي، وهناك من لدية تميز في العلاقات العامة وغيرها.
لذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع أصحابه وفق قدراتهم. فلم يمنع خالد بن الوليد من وصفه سيف سله الله على المشركين على الرغم من تأخر إسلامه. وفي الجانب المقابل لم يمنعه من كون أبي ذر رابع من أسلم كما في بعض الروايات صلى الله عليه وسلم من شهادته لأبي ذر بصدق النية والإخلاص كما في قوله صلى الله عليه وسلم "ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر" من وصفه بأنه رجل ضعيف لا ينفع للإمارة كما في حديث أبي ذر قال قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها" (مسلم).
تقييم الموارد البشرية وفق إمكاناتها واستثمارها بشكل صحيح من أهم الأسباب التي فصلت بين دور العالم الأول أو ما تسمى بالدول الصناعية والدول النامية أو ما تسمى بدول العالم الثالث. فالفيصل بين التقدم والتخلف هو احترام ووزن الموارد البشرية بالميزان العدل. فالموارد البشرية ما هي إلا موديلات تختلف وتقدر وفق الغاية من استخدامها لذا فإننا نخطئ كثيرا عند إطلاقنا أحكاما عامة عليها.