القادة السياسيون يتدخلون .. دعوة إلى إعادة النظر في وكالات التصنيف
دفعت الأزمة التي تعصف ببورصات العالم القادة السياسيين إلى التدخل، بدءا بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي وجه نداء إلى مجموعة السبع، فيما حاول رئيس الوزراء الأسترالي طمأنة الأسواق بعد يوم "أسود" على المستوى العالمي.
وحذر وزير الخزانة الأمريكي هنري بولسن من أن التقلبات في الأسواق المالية ستؤدي إلى "التأثير سلبا" في نمو الاقتصاد الأمريكي، في تصريح قد يعزز المخاوف من عواقب أزمة القروض العقارية في الولايات المتحدة. إلا أن الوزير عبر عن ثقته بأن "الاقتصاد والأسواق ستكون قوية بما فيه الكفاية لاستيعاب الخسائر" ومن دون التسبب في ركود.
وإزاء هذه الأزمة المالية التي تزداد حدة، التزم السياسيون حتى الآن الصمت، باستثناء مداخلة أمس للبيت الأبيض توقع فيها أن يواصل الاقتصاد الأمريكي النمو، لكنه لم يشأ أن يعقب على الانخفاضات الأخيرة في الأسواق المالية. وقال جوردون جوندروي المتحدث باسم البيت الأبيض للصحافيين في تكساس حيث يقضي الرئيس الأمريكي جورج بوش عطلة "مثلما قال الرئيس بوش فإن الاقتصاد الأمريكي يستند إلى أسس قوية ولهذا نحن نتوقع أن نرى نموا اقتصاديا متواصلا.. ليس لي أن أعقب على التحركات اليومية للسوق".
وفي مبادرة شخصية، وجه ساركوزي رسالة إلى المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي ترأس بلادها حاليا الاتحاد الأوروبي، طالبا فيها من الدول السبع الأكثر تطورا اتخاذ تدابير بهدف تعزيز "شفافية عمل الأسواق". وقال "يبدو لي أنه من مسؤوليتنا بصفتنا رؤساء دول وحكومات أن نأخذ منذ اليوم العبر" من أزمة الائتمان العقاري العالي المخاطر في الولايات المتحدة. واقترح ساركوزي أن يعمل وزراء المالية في مجموعة السبع بالتنسيق مع المصارف المركزية بشكل خاص وصندوق النقد الدولي، حول هذا الموضوع وتقديم "تقرير تحليلي واقتراحات خلال اجتماعهم في تشرين الأول (أكتوبر) في واشنطن".
وأعرب ساركوزي عن "قناعته" بأن "التقلبات في الأسواق لن تشكل بشكل دائم على نمو اقتصادنا القوي". وفي تصريح للصحافيين من الولايات المتحدة حيث يمضي إجازته، قال ساركوزي "إنني أؤمن كثيرا بالحرية، لكن لا يمكنني أن أقبل بهذه الظاهرة التي نشهدها في السنوات الأخيرة وهي ازدياد المضاربة بشكل كبير". وأضاف "لا يمكننا أن نستمر على هذا النحو، أي مع بعض الصناديق الاستثمارية مرتفعة المخاطر التي تقترض بأي سعر ومن أي جهة، ومن دون أن نعرف من الذي يتحمل الأعباء في نهاية المطاف وفي أي ظروف".
وفي أستراليا، تدخل جون هاورد هو أيضا أمس للتأكيد على أن اقتصاد بلاده غير مهدد. وقال "أعتبر أن الاقتصاد الأسترالي لا يزال قويا جدا ويجب الاطمئنان لذلك". وقد أقفلت بورصة سيدني مع تسجيل تراجع بنسبة 1.56 في المائة. وأكد أن "هناك عملية تصحيح جارية ولن ننجو من تأثيرها وقد تأثرنا بها أصلا لأن أسواق المال مرتبطة ببعضها البعض".
وإزاء تفاقم الأزمة، قررت وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد قطع إجازتها والعودة إلى باريس. وأكد بائع أسهم في شركة متخصصة في البورصات في العاصمة الفرنسية "هناك موجة من الهلع، والمخاوف بدأت تتنقل بين الأسواق".
وفي الأسبوع الماضي، تدخل بوش من خلال التأكيد بأن هناك "ما يكفي من السيولة" للسماح للأسواق بإجراء عمليات تصحيح. ولم يكف هذا التصريح، ولا التدخلات المتكررة للمصارف المركزية في العالم التي ضخت كميات هائلة من السيولة في الأسواق، لتهدئة الوضع.
وفي هذا السياق الذي يسوده التوتر، لا يتوقع أن يؤثر نداء ساركوزي كثيرا في مجريات الأمور، بحسب الخبراء. ويقول المحلل الاقتصادي الفرنسي مارك تواتي إن تدخل ساركوزي "قد يصب حتى الزيت على النار" في حال فسرته الأسواق على أنه مؤشر على "ظاهرة أخطر من تلك التي نشهدها اليوم". وبشيء من الامتعاض، أشارت ألمانيا إلى أن اقتراحات ساركوزي حول مزيد من الشفافية والتنظيم والحد من المضاربة، هي مطابقة للنداء الذي أطلقته ميركل منذ أشهر حول تعزيز شفافية الأسواق، لا سيما في ما يتعلق بالصناديق الاستثمارية مرتفعة المخاطر. لكن هذا النداء اصطدم بتحفظات الولايات المتحدة وبريطانيا. وفي بروكسل، أعلنت المفوضية الأوروبية أنها ستنظر إلى آلية عمل وكالات التصنيف المالية التي ينتقدها بعض المحللين، والتي دعا ساركوزي إلى إعادة النظر في دورها لمعرفة لماذا تأخرت في دق ناقوس الخطر في ما يتعلق بمسألة القروض العقارية عالية المخاطر.