فقه ضبط الحكم
عندما تقرأ قول الله تعالى: ?يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا?. ترى فيه بيانا واضحا لحقيقة النفس البشرية، وما عليه من الضعف الطبعي الأول، وهذا الضعف شامل لجوانب حياة الإنسان العلمية والعملية، وقد ثبت في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك).
فالأصل في الإنسان هو هذا الضعف الذي لا يتمالك معه نفسه أمام الشهوات ووساوس الشيطان إلا أن تحصل له الإعانة من الله سبحانه وتعالى، وإدراك هذا المعنى يحصل به ضبط للنفس البشرية ومراعاة لها.
ومن أخص من يقصد إلى إدراكهم لهذا المعنى من له عناية بمقام العلم، فإن قصور الإدراك لهذا المعنى يقع عنه قصور في التطبيق، وقد جاءت الشريعة باعتبار مآلات الأحكام وأثرها في الحكم، وهذا من معنى كمال الدين الذي ذكره الله بقوله: ?اليوم أكملت لكم دينكم?، ومن معنى تمام الشهادة الذي ذكره الله بقوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس?.
وإن من التأخر في اعتبار جملة أدلة الشريعة ومقاصدها القصد إلى تغليب المنع في موارد الاجتهاد، وهذا الوجه ينافي يسر الشريعة التي جاءت النصوص بإحكامه على وجه منضبط بين الإفراط والتفريط، فإن اليسر هو تحقيق مراد الشريعة التي تضمنت قي نصوصها قوله تعالى: ?لا يكلف الله نفسا إلا وسعها?. وربما تولد عن تغليب المنع وقوع كثيرمن العامة في صريح الممنوع بأدلة الشريعة، كما يتولد عن رد معنى التيسير إلى ذوق النفس تفريط في حقوق الشريعة.
والقصد أن مقام التخفيف والتيسير على المسلمين من أخص مقاصد الشريعة بشرط صدوره من الفقيه العارف بأدلة الشريعة ومقاصدها، وفقه التيسير الذي أراده الشارع، قال سفيان الثوري: ليس العلم بالتشديد وإنما العلم الرخصة تأتيك بالفقيه، والله الهادي.