دور المؤسسات المالية في دعم العملة الوطنية
تسهم المؤسسات المالية الوطنية في دعم قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية من خلال آلياتها المختلفة التي تتعامل بها مع مخزون اقتصادها من العملة الوطنية والعملات الأجنبية. تتباين انعكاسات هذه المساهمة من إيجابية إلى سلبية تبعاَ لتباين كفاءة هذه الآليات في التعامل مع مستجدات النظام المالي العالمي.
من التجارب الدولية في هذا الجانب تجربة الاقتصاد الياباني في التعامل مع تغير سعر صرف الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي منذ السبعينيات وحتى منتصف التسعينيات الميلادية من القرن الماضي. تحمل التجربة في طياتها العديد من الفوائد حول دور المؤسسات المالية في دعم العملة الوطنية بما يضمن ثباتها مقابل العملات الأجنبية.
كانت الـ 350 ينا يابانيا تساوي دولارا أمريكيا واحدا إبان فترة نظام بريتن وود المالي والذي أوقف التعامل به عام 1971م. بدأ سعر صرف الين الياباني بالنمو بعد هذا التاريخ تبعاَ لنمو الاقتصاد الياباني. من 250 ينا يابانيا مقابل دولار أمريكي واحد في 1985م، إلى 150 ينا يابانيا مقابل دولار أمريكي واحد في 1990م، وصولاَ إلى 125 ين ياباني مقابل دولار أمريكي واحد في 1993م، وحتى 85 ينا يابانيا مقابل دولار أمريكي واحد في 1995م.
عزيت أسباب نمو سعر صرف الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي إبان تلك الفترة الزمنية إلى دور المؤسسات المالية اليابانية في التعامل مع مستوى مخزون الشركات اليابانية من الدولار الأمريكي. كانت الشركات اليابانية تبيع صادراتها للأسواق الأمريكية بالين الياباني مقابل الدولار الأمريكي.
أسهمت هذه الآلية في زيادة مخزون الشركات اليابانية من الدولار الأمريكي، بشكل خاص، ومحافظة الاقتصاد الياباني على مستوى فائض في ميزانه التجاري مع الاقتصاد الأمريكي، بشكل عام، خلال السبعينيات والثمانينيات الميلادية من القرن الماضي.
بدأت المؤسسات المالية اليابانية في استثمار مخزون الشركات اليابانية من الدولار الأمريكي عن طريق تنفيذ آلية من شقين. ذهب الشق الأول إلى الاستثمار في الأسهم والعقارات اليابانية وذهب الشق الثاني إلى الاستثمار في الأسواق المالية الدولية.
حظيت الأسواق المالية الأمريكية بمعظم الاستثمارات الدولية اليابانية عطفا على التنسيق بين الاقتصاد الياباني ونظيره الأمريكي. أسهمت هذه الآلية في ثبات سعر صرف الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي خلال السبعينيات والثمانينيات الميلادية من القرن الماضي.
شهد الاقتصاد الياباني مطلع التسعينيات الميلادية من القرن الماضي مجموعة من التطورات أسهمت لاحقا في تغير آلية تعامل المؤسسات المالية اليابانية مع مخزون الشركات اليابانية من الدولار الأمريكي ومن ثم انخفاض سعر صرف الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي.
حيث دخل الاقتصاد الياباني حالة ركود اقتصادي تعد الأصعب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. انعكست حالة الركود الاقتصادي هذه بالسلب على أسعار الأسهم والعقارات اليابانية ففقدت قرابة 50 في المائة من قيمتها.
تأثر الوضع المالي للمؤسسات المالية اليابانية بالسلب من هذه التطورات الاقتصادية بسبب وجود جزء من استثماراتها في أسواق الأسهم والعقارات اليابانية. أجبرت هذه التطورات المؤسسات المالية اليابانية على تغيير آلية تعاملها مع مخزون الشركات اليابانية من الدولار الأمريكي.
فبدأت المؤسسات المالية اليابانية بشكل تدريجي في توجيه استثماراتها في الأسواق المالية الأمريكية نحو أسواق السندات اليابانية ذات مستوى المخاطرة المنخفضة بعد صرف الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني. أسهمت هذه الآلية في انخفاض مستوى الاستثمارات اليابانية في الأسواق الأمريكية قرابة 30 في المائة مقارنة بفترة الثمانينيات والسبعينيات الميلادية من القران الماضي.
تحمل تجربة الاقتصاد الياباني في التعامل مع تغير سعر صرف الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي منذ السبعينيات وحتى منتصف التسعينيات الميلادية من القرن الماضي في طياتها العديد من الفوائد حول دور المؤسسات المالية في دعم العملة الوطنية بما يضمن ثباتها مقابل العملات الأجنبية.