مستقبل سوق المال في ظل تطبيق نظام "تداول" الجديد
نجحت إدارة شركة تداول في تطبيق النظام الجديد، حيث كان 20 تشرين الأول (أكتوبر) يوماً فاصل بعد نحو أكثر من عام من الجهود المبذولة لتطوير نظام تداول وبتكلفة تزيد على 49 مليون دولار (183.8 مليون ريال)، وحسب علمي الشخصي، فقد كانت إجازة عيد الفطر المبارك بالنسبة للمسؤولين في شركة تداول هي أيام عمل حقيقية قبل موعد التطبيق وأعلم أنهم كانوا على رأس العمل طيلة أيام الإجازة للتأكد من أن كل الاحتياطيات قد أخذت في الاعتبار. وقد كانوا في الموعد. فشكرا للإخوة الزملاء جميعهم في شركة تداول وعلى رأسهم الأخ عبد الله السويلمي مدير عام "تداول" الذي عمل مع الجميع بكل إخلاص طيلة أيام العيد حتى يوم تشغيل النظام في 20 تشرين الأول (أكتوبر)2007م. إن تنفيذ مشاريع في مثل هذا الحجم وبالذات للتقنيات المتعددة الأغراض والأهداف والاستخدامات والأعضاء المشتركين ليست بالأمر السهل، فحسب دراسة بريطانية أجريت عام 2000م وجد أن نحو 50 في المائة من المشاريع التقنية تفشل ليس بسبب التقنية المستخدمة، وإنما بسبب إدارة المشروع وتنفيذه. فما بالك بمشروع متعدد الأغراض ومتعدد العمليات ومتعدد الأعضاء وسوف يكون متعدد الخدمات كنظام تداول يتطلب أن يكون مباشرا وغير مسموح ولو بنسبة خطأ 0.0001 في المائة؟!
ولنترك الإطراء المستحق جانباً ولنتحدث عن مستقبل سوق المال وبالذات بورصة الأسهم في ظل هذا التطور اللافت في البنية التحتية (النظام التقني) الذي كان أحد المعوقات التي حدت من قدرة الجهات المعنية على تطوير السوق بما يتلاءم والمرحلة التي نعيش فيها. وأعتقد أن الجميع يذكر المطالبات التي كان الجميع يتحدث عنها سواء عبر الصحف أو عبر القنوات التلفزيونية من تعميق للسوق إلى فصل شركات "الخشاش" عن السوق عبر إيجاد سوق رئيسي وسوق مواز أو سوقين، أو المطالبة بتحييد أسهم الحكومة في حساب المؤشر، أو المطالبة بإيجاد مؤشرات بدلا من مؤشر واحد، أو المطالبة بإعادة تصنيف القطاعات داخل السوق، أو المطالبة بإعطاء دور أكبر للمؤسسات بدلا من الأفراد (90 في المائة أفراد)، أو المطالبة بمعاقبة المضاربين الذين يقومون بالتدليس والغش في السوق، أو المطالبة بشفافية أكثر للعروض الوهمية وإلى آخره من مطالبات!
أرجو ألا يعتقد أحد أن النظام الجديد سيحل كل مشكلات سوق المال، حيث لا يوجد في الدنيا نظام تقني يحل مشكلات هي في الأساس مشكلات هيكلية! ولم أقل ذلك. ولكن في ظني أن النظام الجديد كان خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح نحو إمكانية اتخاذ قرارات إستراتيجية كبيرة سنشاهدها في المستقبل القريب، وقد تكون أقرب إلينا من حبل الوريد. حيث كانت بيئة النظام القديم أحد أهم المعوقات في إنجاز الكثير من القرارات وتطبيقها على أرض الواقع للمساعدة على حل مشكلاتنا الهيكلية. والسؤال، ما تلك القرارات التي يتوقع لها أن تصدر من قبل هيئة سوق المال في مسيرة تطوير سوق الأسهم؟
أول تلك التوجهات الاستراتيجية المهمة بالنسبة إلى سوق المال عموماً وسوق الأسهم خصوصاً هي إيجاد أكثر من سوق وأكثر من مؤشر. وهذا عملياً أصبح ممكنا مع وجود النظام الجديد، وبالتالي أصبحت الكرة في ملعب مجلس إدارة هيئة سوق المال لاتخاذ القرار وطريقة تنفيذه وهو أمر أتوقع حدوثه قريباً على الأقل بهدف الابتعاد عن تسمر العيون على حركة المؤشر الحالي (استراتيجيات "التشتيت" و" الفرز"!!!).
ثاني تلك التوجهات الاستراتيجية تنويع القطاعات الموجودة في السوق، حيث يوجد حالياً ثمانية قطاعات فقط، وبالإمكانيات السابقة للنظام القديم كانت هناك صعوبات في إيجاد قطاعات جديدة أو إعادة تصنيف للقطاعات الحالية والدليل أن قطاع الخدمات الحالي يوجد فيه عمليا أكثر من قطاع مثل العقار والاستثمار والسياحة والنقل وقريبا التدريب بعد البدء في طرح أسهم شركة الخليج للتدريب (قطاعات داخل قطاع). ولكن الآن أصبح ممكنا وقابلا للتطبيق، حسبما اطلعنا عليه من إمكانيات للنظام الجديد. نحن بحاجة فعلية وعملية إلى فصل الشركات ذات الطبيعة المشتركة في قطاعات مستقلة وإيجاد قطاعات جديدة مع تنامي حركة الطروحات الأولية والتي أعتقد أنها ستصل إلى نحو 200 شركة خلال فترة قد لا تتعدى السنتين كحد أعلى، الأمر الذي سيساعد على تطوير إمكانات التحليل المالي للقطاعات مع تطور آليات قراءة مستقبل القطاعات على غرار القطاع المصرفي وقطاع الأسمنت بشكل واضح وصريح.
ثالثا: يمكن بوجود النظام الجديد تنويع المنتجات من خلال تفعيل سوق الصكوك والسندات، وهو أمر حتمي ولابد منه، ليس لأنه قناة استثمارية جديدة ولكن أيضا لتخفيف العبء على سوق واحد خاص ببيع وشراء الأسهم. كما أن إمكانية ربط السوق المحلية بالأسواق الإقليمية والعالمية سيساعد شركات الوساطة المالية على تقديم حزمة من الخدمات لعملائها عبر عروض متنوعة وأسواق متعددة إقليمياً وعالمياً، حيث لا تزال سوقنا المالية مغلقة عملياً أمام الآخرين.
رابعاً: سيمكن النظام الجديد من إعطاء إدارة هيئة سوق المال إمكانيات أكبر في عمليات الإشراف والرقابة على عمليات التداول ومن خلال فرصة أكبر لمراقبة عمليات البيع والشراء والعروض ونسب الملكية وإمكانات الغش والتدليس والتي هي الآن بكل أسف، حقيقة حتى لو قالت الهيئة إنها لم تلحظ مثل تلك العمليات!
هل هذا كل شيء؟ طبيعي لا، ولكن نحن نتحدث عن أولويات، أعتقد أنها قريبة، وإلا يمكن أن نتحدث بشكل أكثر تفصيلاً عما يمكن عمله في القطاع المالي وبالذات الاستثماري في المملكة. وما يزال المشوار طويلا جداً.
ما لا يستطيع النظام الجديد تنفيذه بضغطة زر أو تطويره هو إيجاد ربط حقيقي بين المعطيات الاقتصادية إلى الاقتصاد السعودي وكذلك المعطيات المالية بشكل خاص للشركات التي يتداول أسهمها وبين أسعار تلك الشركات، حيث إن هذا العنصر المهم هو في يد المستثمرين أفراداً وشركات. نحن بحاجة إلى رفع مستويات الثقافة الاستثمارية لجميع المتعاملين مع السوق بما في ذلك الجهات المسؤولة عن السوق، وتقليل عنصر المضاربة إلى الحدود المعقولة والتي يجب أيضا أن تستند إلى أسس علمية وفنية وليست أسسا فنية فقط. بمعنى آخر لا يزال الطريق طويلا نحو مؤسسة السوق المالية عموماً بمزيد من الشفافية!!