حالة من التقلبات

حالة من التقلبات

[email protected]

من الأول من آب (أغسطس) الحالي وحتى اختتام التداول يوم الجمعة الماضي، فقدت أسعار النفط نحو 10 في المائة من سعر البرميل بالنسبة للخام الأمريكي الحلو الخفيف من نوع ويست تكساس. أما مؤشر السوق الآخر الخام البريطاني برنت فقد تراجع إلى ما دون 70 دولارا للبرميل لأول مرة منذ شهرين.
السبب الرئيس في هذا التراجع يعود إلى الضعف الذي بدأت ملامحه تظهر في الاقتصاد الأمريكي. فالولايات المتحدة في نهاية الأمر هي القطبية الوحيدة في العالم وصاحبة أكبر اقتصاد فيه وتستهلك واحدا من كل أربعة براميل تدخل السوق العالمية للاستهلاك يوميا، وهو ما فسره المتعاملون على أساس أنه مؤشر على احتمال حدوث تراجع في الطلب.
يأتي هذا التطور معطوفا على تصريحات وزير الطاقة الأمريكي سام بودمان أن وصول سعر البرميل إلى 80 دولارا ستكون له انعكاسات سيئة على الوضع الاقتصادي. ويبدو أن التأثير بدأت بوادره حتى قبل الوصول إلى المعدل الذي حذر منه الوزير وبنحو دولارين.
هذا المؤشر يمكن أن يرسم خطوطا استرشادية للسياسة النفطية وممارستها خلال الفترة المقبلة تحت ضغوط نفسيات السوق. فحديث بودمان أنه سيتصل بوزراء النفط في الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) وحثهم على ضخ المزيد من الإمدادات قد لا يكون هناك داع فيما إذا استمر المعدل الحالي أو قامت الأسعار بتسجيل تراجعات إضافية.
فالرؤية الأمريكية ورؤية المستهلكين عموما قامت على أساس أن هناك شحا في الإمدادات، وعلى (أوبك) ضخ المزيد منها لمعالجة الوضع. وفي الحقيقة فهذا الرأي ليس جديدا بصورة كلية. فعلى أيام إدارة الرئيس بيل كلينتون وفي دورته الثانية سجلت الأسعار ارتفاعا لأسباب تماثل ما تشهده السوق في الوقت الحالي من توترات سياسية وأمنية تطال بعض الدول المنتجة وشح في المنتجات المكررة، ولعب وزير الطاقة وقتها بيل ريتشاردسون دورا نشطا في حث الدول الأعضاء في "أوبك" على رفع سقفها الإنتاجي كل مرة تلتقي فيها، بل وأصبح خبرا ثابتا لاتصالاته الهاتفية بالوزراء أثناء اجتماعاتهم.
لكن ارتفاع الأسعار الذي انعكس على سعر جالون الوقود بكل ما لذلك من أعباء سياسية دفعت كلينتون إلى الأمر بضخ بعض النفط الخام من المخزون الاستراتيجي، وهي خطوة لم تسهم في تحسين وضع سعر جالون الوقود للمستهلكين، كما أنها أثبتت أن السوق أكثر تعقيدا من أن تتحرك بفعل أجراء وحيد كرفع حجم الإنتاج أو خفضه رغم أهميته، فالإمدادات وعلى أهميتها في معادلة العرض والطلب ليست العنصر النهائي والقاطع في تحديد معدل سعر الوقود.
الجديد في الوضع الحالي أنه ينذر بعودة حالة من التقلبات السعرية، التي يطال تأثيرها المنتجين والمستهلكين على حد سواء، وهي تعود بصورة رئيسية إلى غياب الوضوح في السياسات وبالتالي عدم القدرة على اتخاذ القرارات الملائمة التي تعالج ما تشهده السوق من تطورات. وهذا أحد أوجه حالة عدم الاستقرار التي إذا تركت دون مواجهة تصبح من العناصر الأساسية التي تحرك السوق.
فبالنسبة للمنتج أو المستهلك هناك حاجة للاطمئنان ومعرفة كم سيكون سعر البرميل حتى يمكن التخطيط على أساس الإعداد لمقابلة فاتورة النفط بالنسبة للمستهلكين، أو التخطيط لرفع الطاقة الإنتاجية وفق سيناريوهات تتضمن حدا أدنى من سعر البرميل.
لكن يلاحظ من الناحية الأخرى أنه مع التراجع الذي شهدته الأسعار خلال الأسبوع الماضي، إلا أنها لا تزال فوق 60 دولارا للبرميل. ومع أن "أوبك" لم تحدد لها سعرا رسميا لاعتماده والدفاع عنه، إلا أن السائد في أوساط الصناعة النفطية أن السعر الذي ترحب به المنظمة للبرميل يراوح بين 50 و60 دولارا، وهو ما يشير إلى وجود هامش وأن الأسعار لم تصل في تراجعها المرحلة التي تحتاج فيها إلى عملية جراحية في شكل خفض للإنتاج كما حدث من قبل.
وهذا الوضع قد يفرض على (أوبك) عندما تلتقي الشهر المقبل النظر في قضية مؤجلة، وهي المدى السعري الذي ترغب فيه أو تعتبره عادلا حتى يمكن تخطيط السياسة الإنتاجية على أساسه، كما أنه سيكون السعر الذي على المستهلكين توقعه.
التقلبات السعرية بنتائجها الضارة يمكن أن تشكل محفزا للنظر فيما وراء وضع السوق والأسعار الراهن والعمل على تقوية الأساسيات التي تضع الأرضية لأي تحركات سعرية مستقبلية. فالاستراتيجية بعيدة الأمد التي وضعتها المنظمة قبل نحو العامين تحتاج إلى آلية لتفعيلها، وأحد أهم هذه الأدوات المعدل السعري. ويمكن الاستفادة من حالة التوازن النسبي التي تعيشها السوق في الوقت الحالي للوصول إلى معادلة خارج ضغوط الارتفاع الشديد في الأسعار أو تراجعها بالمستوى ذاته، فأحد عناصر النجاح تتلخص في العمل بعيدا عن الضغوط التي بطبيعتها تفرض حلولا آنية.

الأكثر قراءة