لجنة الفصل في المنازعات وكفاءة السوق المالية
تختلف جهات الفصل في المنازعات المتعلقة بالأوراق المالية والتعامل في الأسواق المالية عموماً من دولة إلى أخرى تبعاً للبيئة الاقتصادية والأهداف النهائية التي يقوم صناع القرار الاقتصادي بالسعي إلى تحقيقها. ففي بعض الدول التي تعطي الأولوية لكفاءة وسرعة البت في النزاعات المتعلقة بالأوراق المالية كالمملكة، يتم إيلاء مسؤولية النظر والبت في النزاعات غالباً إلى هيئة مستقلة، محايدة، ومتخصصة في هذا النوع من القضايا. وينطبق هذا على لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية التي تتعامل مع مختلف أنواع الشكاوى في المراحل الزمنية المختلفة.
وتتواجد الشكاوى والحاجة إلى الفصل في المنازعات في معظم مراحل تداول الأوراق المالية بدءاً من الطرح الأولي، مروراً بالتداول، وحتى إشهار الإفلاس والانسحاب من السوق. فالشكاوى، الاختلاف، والنزاعات قد تحدث في أي مرحلة وبين أي طرف سواء أكان هذا الطرف ملاك الشركة المطروحة للاكتتاب، المستثمرين، البنوك الاستثمارية المشاركة في الاكتتاب، أو حتى صناديق الاستثمار. فعلى سبيل المثال، أشار تقرير هيئة السوق المالية إلى تلقي الهيئة لشكاوى متعلقة بعمليات الاكتتاب والطرح الأولي تسلمت منها في عام 2006 نحو 653 شكوى وتم تسوية 603 منها بنسبة 92.3 في المائة بينما مازالت 50 شكوى تشكل 7.7 في المائة تحت النظر. والعدد الكبير من الشكاوى المتعلقة بالطرح الأولي والاكتتاب لا يبعث على التعجب، خصوصاً وأن الأطراف ذات العلاقة بعمليات الطرح الأولي والاكتتابات تشمل ملاك الشركة الذين يملكون الموارد والمعرفة بحقوقهم، متعهد الاكتتاب المدجج عادة بفريق من المحامين، البنوك المستلمة، هيئة السوق المالية، ووزارة التجارة، حيث إن جميع هذه الأطراف عمالقة لا ينقصها الموارد والخبرة للتعامل مع الإشكالات القانونية ومطالبتهم بحقوقهم عن طريق الشكاوى، بخلاف المستثمرين الأفراد. أما ارتفاع نسبة الشكاوى والتسوية لهذا النوع من الشكاوى فيعود من وجهة نظري إلى ارتفاع إجمالي طرح الأوراق المالية في عام 2006 بنحو 55 في المائة لتصل إلى 62 طرحاً مقارنة بنحو 40 طرحاً من تموز (يوليو) 2004 إلى نهاية عام 2005، ووضوح الأنظمة والتشريعات بجانب حرفية وجاهزية الأطراف التي تكون طرفاً في هذا النوع من الشكاوى بالذات.
ومن إحصاءات الشكاوى الملفتة للنظر أيضاً بلوغ إجمالي القضايا من مدنية وجزائية وإدارية التي رفعت إلى لجنة الفصل في المنازعات في عام 2006 نحو 232 قضية مقارنة بنحو 31 قضية في عام 2005، حيث تم الانتهاء من 29 في المائة من هذه القضايا والباقي تحت النظر. كما أن الارتفاع في عدد القضايا المرفوعة إلى لجنة الفصل في المنازعات مذهل لبلوغه نحو 648.38 في المائة تبعاً لحساباتي، علماً أن التقرير كان قد احتسب نسبة الارتفاع في عدد القضايا بنحو 493.55 في المائة بين العامين مما أعتقد بعدم صحته إن كان عدد القضايا المسجلة في التقرير صحيحاً، إلا أن مربط الفرس هو ارتفاع حجم القضايا المرفوعة إلى لجنة الفصل في المنازعات في عام 2006 مقارنة بعام 2005 وما سبقه.
هنا يبرز تساؤل، لماذا ارتفع عدد القضايا المرفوعة للجنة فصل المنازعات ارتفاعا كبيراً بين عامي 2005 و2006؟ للإجابة عن هذا التساؤل، أرى أن هنالك أسبابا واضحة جلية، وغيرها تتفاعل من وراء الكواليس. فالأسباب المباشرة تتضمن دون أدنى شك انهيار شباط (فبراير) 2006 وتداعياته على مختلف الأطراف المرتبطة بالأوراق المالية وخصوصاً المستثمرين وعملاء البنوك الاستثمارية، فليس من المتوقع أن يقوم مستثمر رابح وتتنامى قيمة محفظته الاستثمارية في سوق الأسهم أن يرفع شكوى ينعدم لديه الدافع للتقدم بها في عام 2005، إلا أن تداعيات الانهيار تشكل حافزاً لمحاولة البحث عن مكامن الأخطاء خصوصاً وأن هذه الأخطاء وأسباب الشكاوى قد تكون موجودة من قبل إلا أن الانهيار كان دافعاً لتقليب الأوراق القديمة والبحث عن مخرج يقلل من وطء الهبوط الدراماتيكي للمؤشر وقيمة المحفظة.
أما الأسباب الأخرى غير المباشرة لارتفاع عدد القضايا المقدمة للجنة الفصل في المنازعات فتتضمن ارتفاع وعي المستثمر والمتعامل في السوق المالية السعودية بحقوقه الذي جاء متزامناً مع ارتفاع الاهتمام بالمعرفة الاستثمارية والاقتصادية من قبل عموم المتعاملين وبالذات مع التزام لجنة فصل منازعات الأوراق المالية وهيئة السوق المالية بالنظر في قضايا الأوراق المالية والمخالفات النظامية بحزم وإلزام شديدين. وهذا يعيد النظر إلى الصورة الكاملة بعد انهيار شباط (فبراير) العام الماضي حين أصرت هيئة السوق المالية على متابعة الاستراتيجية بعيدة المدى والمتمثلة في محاسبة المخالف، النظر في شكاوى وتظلمات المتضررين، تعميق السوق بالمزيد من الاكتتابات، الترخيص لعدد أكبر من البنوك الاستثمارية، والحرص على الارتقاء بآليات عملها التنظيمية من خلال تحديث أنظمتها وتطبيق التشريعات والقوانين التي تم سنها من قبل.
وختام القول، إن توفير نظام إدارة فعال وكفؤ للشكاوى والتظلمات متاح للجميع بكل سهولة ويتمتع بقدر عال من الفعالية، توضيح فصل الاختصاصات فيما يتعلق بمختلف الشكاوى بين وزارة التجارة، مؤسسة النقد، وهيئة السوق المالية وتوضيح تفاصيل طريقة التقدم بأي شكوى سيؤدي في النهاية إلى تحويل التظلمات والشكاوى إلى جهة الاختصاص دون أن يضيع الحق بين الجهات الرسمية، وبما يحفظ حقوق المستثمرين في آن معاً. كما أن تعريف المستثمرين بها من خلال جهود توعية المستثمر التي تقوم بها هيئة السوق المالية هي من الأمور المهمة التي تصب في خانة أحد الأهداف المنصوص عليها في نظام هيئة السوق المالية والمتمثل في حماية حقوق المستثمرين والأفراد. لذلك، من المهم التأكيد على استقلالية لجنة فصل المنازعات عن جميع الأطراف ومواصلة حرفيتها في التعامل الموضوعي مع كل القضايا الطارئة أياً كان نوع الشاكي وأياً كان شكل المشكو.