رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المسؤولية الاجتماعية بين الرغبة والتطبيق

[email protected]

أتفق مع غيري من المهتمين بمفهوم المسؤولية الاجتماعية على أن هناك حراكا ملاحظا للتعاطي مع مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات في المملكة خلال السنة الماضية تحديداً، وأتفق كثيرا على أن هناك رغبة واضحة لدى الكثير من الشركات والأفراد لتفعيل ذلك المفهوم بمعناه المستدام، ولدي إيمان كبير بأن هناك أصولا لمعاني الخير والعطاء في نفوس الغالبية العظمى من أبناء هذا البلد الكريم تجعل من الاستمرار في هذا التوجه مسألة محسومة سلفاً.
ولذلك، فإن ما شاهدناه خلال شهر رمضان المبارك يثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن المملكة العربية السعودية بكل شرائحها ابتداء من القيادة السياسية مروراً بالشركات والجمعيات الخيرية إلى الأفراد، تملك رغبة في البذل والعطاء بشكل لا تجده في أي مكان في العالم أساسه بشكل كبير تعاليم الدين الإسلامي وتدعمه العادات والتقاليد.
وخلال متابعتي الشخصية للكثير من الأحداث والإعلانات التي طالعتنا بها شركات القطاع الخاص في مساهماتها الخيرية والهبات والتبرعات وجدتها تغطي جزءا كبيرا من الصحافة المحلية، لدرجة أن بعض تلك الشركات أصبح يسميها بنشاطات "المسؤولية الاجتماعية"، هو ما يدعوني إلى التعليق على الفرق بين رغبة القطاع الخاص في عمل مسؤولية اجتماعية وبين الواقع التطبيقي لتلك الرغبة. فالمسؤولية تتعدى مجرد العطاء المقطوع حتى وإن كان بالملايين لمجرد الخروج بإعلانات وأخبار صحفية لا تتعدى استهلاكا للعلاقات العامة لتلك الشركات ولا أبالغ إذا قلت إنها استهلاك لإدارات المسؤولية الاجتماعية لتلك الشركات.
ولأن المسؤولية الاجتماعية للشركات تعتبر استثمارا في ميزانية الشركة ككل، أكثر من كونها مصروفات ضمن ميزانية قسم التسويق والعلاقات العامة للشركة، فإن الحاجة تكمن في تبني الإدارة العليا للشركات ذلك المفهوم واتخاذ القرارات بناء على الإستراتيجية العامة للشركة، بمعنى أن الشركات تستفيد بشكل أكبر استثماريا وكذلك إعلاميا إذا كان هناك تطبيق أكبر لمفهوم العطاء المستدام، وخلال المقالات القادمة قد نجد تحليلا أعمق وتفاصيل أكثر لهذا المعنى.
ولنكون أكثر واقعية في مواجهة مشاكلنا، فأني أرى أن الأساس لقيام نشاطات مسؤولية اجتماعية بمعناها الاستراتيجي للشركة يكمن في إيجاد إدارة محترفة للمسؤولية الاجتماعية للشركة. والإدارة المحترفة للمسؤولية الاجتماعية تعني وجود أفراد على مستوى عال من التخصص في إدارة المسؤولية الاجتماعية ليقوموا بتخطيط وتنفيذ أجندة محترفة للمسؤولية الاجتماعية تعود بالفائدة على الشركة (مجلس إدارة، إدارة تنفيذية، موظفين، تسويق، علاقات عامة، إلخ) والمجتمع بصفته الكاملة لأن غياب الكوادر المؤهلة في هذا المجال قد يسبب أو يتسبب في خلق مغالطات كثيرة وكبيرة في فهم المسؤولية الاجتماعية ومن ثم تطبيقها بشكل خاطئ مما ينتج عنه انعدام الفائدة المستدامة من نشاطات المسؤولية الاجتماعية للشركات. ومن دون تحديد، فأن هذا ما يحدث فعلاً على أرض الواقع، عندما يتبنى مسؤول العلاقات العامة أو التسويق في الشركات تفسير معنى المسؤولية الاجتماعية وطرق تطبيقها.
نعم أتفق مع القول إن هناك نقصا كبيرا أو لنقل غيابا كاملا لشهادات ودورات متخصصة في المسؤولية الاجتماعية في المملكة، وهذه حقيقة يعلمها جميع المهتمين بالمسؤولية الاجتماعية حالها كحال غياب مرجعية علمية لها، ولكن يبقى الحل في تكاتف شركات القطاع الخاص في دعم أي مبادرة تصب في تطوير هذا التوجه، ولعلي اعتبر هذه المبادرة أكبر مسؤولية اجتماعية ممكن أن تقوم بها الشركات.
ختاماً، فأن الحراك الذي تشهده الساحة فيما يخص المسؤولية الاجتماعية والمجهودات المميزة التي تقوم بها العديد من الجهات ذات العلاقة يعتبر مؤشراً ايجابيا في طريق الوصول إلى تطبيق ناجح لنشاطات المسؤولية الاجتماعية بما يعود على الجميع بالفائدة المستدامة، وتبقى الحاجة إلى استغلال هذا الحراك في تطوير الكوادر القادرة بعون الله على إيجاد نموذج سعودي مثالي للمسؤولية الاجتماعية.

قليل مستمر خير من كثير منقطع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي