ربط الريال بالدولار بين الأمس واليوم
السيد سكاكبارا أو "مستر ين" كما كان يدعى عندما كان وزيرا للمالية في اليابان، نظرا لتأثيره القوي في سعر صرف العملة اليابانية آنذاك، حذر الأسبوع الماضي من أن الدولار يمكن أن ينهار في عام 2008 في حال تراجع معدل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة إلى ما دون 1 في المائة، في ظل خسائر المقرضين في سوق العقارات الأمريكية وما سيترتب عليه من تراجع في ثقة المستهلكين وربحية المصارف. ما يجعل تشبثنا بالدولار من خلال ربط سعر صرف الريال به يحمل مخاطر اقتصادية كبيرة، ونحن أشبه بمن يضع بيضه في سلة واحدة قاعها سيسقط في أي لحظة. وإن كان تراجع سعر صرف الريال نتيجة ربط سعر صرفه بالدولار المتهاوي قد أسهم في رفع معدلات التضخم محليا برغم استقرار معدلات التضخم عالميا، فإن ظهور بوادر على ارتفاع معدلات التضخم عالميا، ليس فقط بسبب ارتفاع أسعار النفط الخام والمعادن الأخرى، وإنما أيضا بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية نتيجة استهلاك جزء متنام من المحاصيل الزراعية لإنتاج الإيثانول، يعني أننا لم نر الأسوأ بعد فيما يتعلق بمعدلات التضخم، وإن كنا عانينا التضخم في ظل استقرار نسبي في مستويات الأسعار عالميا، فليس علينا إلا أن نتخيل كيف سيكون عليه الحال مع ارتفاع معدلات التضخم عالميا، خاصة إذا صاحب ذلك، وكما هو متوقع، تراجع إضافي في سعر صرف الدولار.
ومن المهم أن ندرك أنها ليست المرة الأولى التي تجد الولايات المتحدة أن مصلحتها في تراجع صرف الدولار، ففي أواخر الستينيات من القرن الماضي، وفي ظل ارتفاع معدلات التضخم الأمريكية بسبب حرب فيتنام الذي جعل الدولار مقوما بأعلى من قيمته العادلة أمام الذهب المثبت سعر صرفه أمامه، تزايدت طلبات الأجانب لتحويل الدولارات إلى ذهب واستنزفت احتياطيات الولايات المتحدة من الذهب، لذا قررت الولايات المتحدة في عام 1971 التخلي تماما عن التزامها بقبول استبدال الدولار بالذهب وقررت خفض سعر صرفه، ثم قررت مرة أخرى تخفيض سعر صرف الدولار أمام الذهب في عام 1973، لينهار بعد ذلك نظام سعر الصرف الثابت وتصبح العملات الرئيسية العالمية كالدولار والجنيه الإسترليني والين الياباني عملات معومة لا تخضع لسعر صرف ثابت، إنما يتحدد سعر صرفها تبعا للتغيرات التي تشهدها اقتصادات بلدانها.
السعودية في تلك الأثناء، وحماية للريال من التراجع أمام العملات الأخرى، فيما لو بقي سعر صرفة ثابتا أمام الدولار، قامت بملاحقة كل تخفيض يتعرض له سعر صرف الدولار برفع مماثل في قيمة الريال. فعندما خُفض الدولار في عام 1971، قررت رفع قيمة الريال من 4.5 إلى 4.14 ريال للدولار، ثم بعد تخفيض الدولار في عام 1973 قررت السعودية في شباط (فبراير) عام 1973 رفع قيمة الريال إلى 3.73 ريال للدولار، ثم مرة أخرى في آب (أغسطس) من العام نفسه رفعت سعر صرفه إلى 3.55 ريال للدولار. أي أن سياسة المملكة النقدية خلال تلك الفترة، وأمام التراجعات التي كان يشهدها سعر صرف الدولار، كانت استجابتها سريعة للتغيرات التي تشهدها أسواق الصرف العالمية، وكانت تقوم مباشرة برفع الريال عند كل تخفيض في سعر صرف الدولار. بل إن السعودية قررت في عام 1975، وبسبب استمرار عدم استقرار سعر صرف الدولار، أن توقف ربط الريال بالدولار، وأصبح الريال السعودي مربوطا بحقوق السحب الخاصة، أي سلة عملات، واستمر الوضع كذلك إلى أن قررت السعودية في عام 1986 إعادة ربط الريال بالدولار من جديد، بتثبيته عند سعر 3.75 ريالا للدولار، وهو الوضع الذي ما زال قائما حتى الآن.
وحيث إن وضع الدولار في السنوات القليلة الماضية يشبه إلى حد بعيد وضعه بداية السبعينيات، فسعر صرفه تعرض لتراجع مستمر مع وجود مصلحة أمريكية واضحة في استمرار ذلك، فإن الفرق الوحيد هو بطء استجابتنا هذه المرة للتغيرات التي شهدها سعر صرف الدولار مقارنة بسرعة استجابتنا في السبعينيات، حيث بقي سعر صرف الريال ثابتا أمام الدولار دون تغيير، ما تسبب في فقده ما يزيد على 30 في المائة من قيمته أمام العملات الأخرى. وفي ظل تأخرنا الشديد في الاستجابة للتغيرات التي حدثت في سعر صرف الدولار خلال السنوات الثلاث الماضية، وما ترتب على ذلك من تراجع في قيمة الريال، فإن أفضل خيار أمامنا يمكن به تدارك الوضع الآن، هو اتخاذ قرار برفع سعر صرف الريال أمام الدولار يليه مباشرة، وفي الوقت نفسه، قرار بربط الريال بسلة عملات، ما يسمح باستعادة الريال لجزء من قيمته المفقودة أمام عدد من العملات الرئيسية العالمية ويحمي الريال من تأثير انخفاض سعر صرف الدولار مستقبلا.