رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


شبح الثمانينيات عاد في 10 أيام

[email protected]

خلال إجازة العيد فقط، التي امتدت نحو عشرة أيام، حدثت تحولات كبيرة ومتسارعة على الاقتصاد والسياسة العالمية. فقد واصل الدولار تراجعه، وارتفعت أسعار النفط بنحو عشرة دولارات في عشرة أيام بنسبة ارتفاع دولار لكل يوم، لتصبح قريبة من مستوياتها الحقيقية في الثمانينيات. وروسيا تعيد لهجة الحرب الباردة، التي انتهت في نهاية الثمانينات، لتتزايد المخاطر السياسية في منطقة الشرق الأوسط. فهذه تركيا تنوي شن حرب على شمال العراق، وإيران تزيد من تحدياتها تجاه المعارضين برنامجها النووي مدعومة من روسيا.
تلك صورة سريعة لما حدث خلال إجازة العيد، وكأنها تعيد إلى الذاكرة بداية الثمانينيات عندما وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، بسبب الوضع الجيوسياسي، المتمثل في الحرب الإيرانية-العراقية. وهو الأمر الذي مازال قائماً، فالعراق تحت سيطرة أمريكية، وإيران تحت تهديد أمريكي، ونبرة الحرب الباردة تعود. كل ذلك ساعد على جعل أسعار النفط تقترب من 90 دولاراً للبرميل. وهي أسعار الثمانينيات نفسها التي ساعدت دول الخليج، ومنها المملكة، على تحقيق فوائض مالية غير مسبوقة، وساهمت في نمو اقتصادياتها بشكل كبير. ولعل الأسطوانة نفسها تعود الآن في الألفية الجديدة. فدول الخليج وعلى رأسها المملكة تتمتع بفوائض مالية غير مسبوقة تجاوزت ما حدث في الثمانينيات كماً ونوعاً. وتشهد نمواً اقتصادياً مزدهراً ومختلفاً. فبينما كانت الحكومات الخليجية تقود النمو، خصوصاًً في البنية التحتية التقليدية (طرق، مطارات، تعليم، صحة) في الثمانينيات، فإن القطاع الخاص الخليجي يقود عملية النمو في هذه الحقبة لتكملة قصور بنية الثمانينات التحتية، وإنشاء بنية فوقية منافسة وكفؤة، بدعم من الحكومات في شكل أنظمة وتشريعات تهدف إلى تحرير الاقتصاد. لذا ليس غريباً أن نسمع بتريليونات الريالات في قطاع العقار الخليجي وحده فقط. ولو لم يكن هناك عجز في البنية التحتية الحالية التي كانت مخاضا لأخطاء الثمانينيات لما سمعنا بهذه الأرقام الفلكية. فدول الخليج تحتاج إلى الكثير من الإنفاق على التعليم، الصحة، الطرق، الاتصالات، المساكن، الأسواق، الدواء، والغذاء بدرجة تجعل من أرقام المؤتمرات الدولية، والأخير كان معرض سيتي سكيب العقاري الذي عقد أثناء تمتعنا بإجازة العيد أيضاًٍ، معقولة جداً. فهناك مدن طبية كاملة ستقام، ومدن صناعية يخطط لقيامها، ومدن اقتصادية متناثرة تحتاج إلى بلايين الريالات حتى يتحقق الحلم. ولو عرجنا قليلاً على استثمارات القطاع الخاص الخليجي في القطاعات الأخرى، فإننا سنصاب بالذهول. فقطاع البتروكيمياويات الخليجي وحتى تصل نسبة حصته السوقية إلى 30 في المائة من السوق العالمية، فإننا نحتاج إلى مليارات من الدولارات تتجاوز 500 مليار دولار، وقد نحتاج إلى نصفها لتطوير قطاع الطاقة والكهرباء، وإلى مبالغ ضخمة مماثلة في قطاعات أخرى.
نعم نحتاج إلى بلايين الدولارات، التي بفضل الله قد تأتي من النفط، الذي لن نستطيع الاستغناء عنه للمائة سنة القادمة. لكننا لا نريد أن تصل أسعاره إلى المستويات الحالية. فنحن نريد أن تصل أسعاره إلى منتصف أسعاره الحالية بحيث لا تتجاوز أربعين دولاراً، وذلك حتى نستطيع أن نمتص سيولة النفط دون ضغوط تضخمية، ونمتص سيولة النفط ببطء يستوعبه اقتصادنا المحلي لكي ينمو بشكل مستدام مبتعداً عن التذبذبات الحادة، حيث لا نضطر للحديث عن تعديل سعر الصرف، ولا نضطر لتكوين وتراكم أصولنا الأجنبية بشكل مهول بحيث لا نستطيع أو لا نعرف كيف نتصرف فيه. فنحن لا نريد تكوين تلك الثروات لامتصاصها وسحبها عند انخفاض أسعار النفط. فنحن نحتاج إلى أن نستفيد منها في بناء مستقبلنا ومستقبل أطفالنا. فالسيولة العالية لم تجلب لنا مزيداً من التوظيف للمواطنين، بقدر ما وظفت مزيداً من عمالة مستقدمة. فلا المواطن استفاد منها بشكل مباشر عن طريق توظيف المزيد من أبنائنا، ولا استطعنا أن نخفض من معدلات الاستقدام التي أصبحت وبالاً علينا.
إن الإشكالية تتزايد، فنحن نزداد غنى، لكننا نشتكي من أن الغنى أصاب بعض القوم، والفقر أصاب قوماً آخرين. فالغنى الفاحش يفقدنا التركيز، ويفقدنا التخطيط، ويفقدنا التوازن الاقتصادي، وهو الأمر الذي لا نريده. هذه إشكالية النعمة التي قد تتحول إلى تخمة، ومن ثم إلى نقمة، متى ما قامت حرب عالمية ثالثة تبدأ من إيران كما قال بوش. وقد تعم المنطقة لأن إيران وأمريكا - كليهما - يستخدمان الورقة الإسرائيلية في الكر والفر. لتجد إسرائيل ذرائع عديدة لضرب سوريا أو لبنان، وسحبها إلى صراع يمتد من لبنان وينتهي في إيران. ولن تدفع إيران أو أمريكا فاتورة الحرب. فقد يدفعها آخرون هم في غنى عن كل ذلك. فيا الله يا من أغنيتنا بنفطك، أرفع عنا شراء بلاء هذه النعمة، فقد عانينا الأمرين في الثمنينيات، فلا نريد للتاريخ أن يعيد نفسه بهذه السرعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي