استراتيجية المشاركة في إنشاء المصافي خارج المملكة (2)

استراتيجية المشاركة في إنشاء المصافي خارج المملكة (2)

[email protected]

أوضحنا في المقال السابق أن من أهم أهداف المشاركة في إنشاء المصافي في الخارج تأمين مخرج وسوق لأنواع معينة من النفط الثقيل المحتوي على كميات كبيرة من الكبريت، ما يجعل قبولها في الأسواق العالمية غير كبير، لأن معظم المصافي العالمية غير مهيأة لمعالجة هذه الأنواع من النفط. كما أكدنا أنه من الضروري أن تأخذ الشركات المنتجة للنفط المبادرة بالدخول في شراكات لإنشاء مصاف خارجية وداخلية، على أن تقوم هذه المصافي بتكرير النفط الذي تراه الشركة المنتجة للنفط مناسباً لها، وغالباً ما تقوم بتسويق أقل أنواع نفطها جودة.
وفي سبيل ذلك تم التوقيع أخيرا على إقامة مجمع فوجيان العملاق في الصين لتوسعة المصفاة الحالية، ومن ثم إقامة مجمع متكامل لإنتاج نحو 800 ألف طن سنوياً من الإيثيلين ومواد بتروكيماوية أخرى. ومن المتوقع أن يبدأ المشروع إنتاجه عام 2008م. أما مجمع البتروكيماويات فمن المتوقع أن يبدأ بالإنتاج في عام 2009م.
المشاركون في هذا المشروع هم شركة سينوبك الصينية بنسبة 50 في المائة، "أرامكو السعودية"، و"إكسون موبيل" بحصة 25 في المائة لكل منهما. ويعتقد أن يمثل هذا المشروع قمة التعاون الاقتصادي في الصناعات النفطية والبتروكيماوية.
وكل من الشركاء الثلاثة له أسبابه الوجيهة للمشاركة في هذا المشروع، فشركة سينوبك مثلاً هي بحاجة شديدة إلى كل من النفط الخام والتقنيات المستخدمة لتكريره ولإنتاج البتروكيماويات كخطوة ثانية. ويجب الإشارة إلى أن النمو الاقتصادي الصيني الهائل أدى إلى رفع الطلب على الوقود والبتروكيماويات الأساسية، مثل: الإيثيلين، البروبيلين، والعطريات المختلفة، مثل البنزين والزايلين اللذين يستخدمان في صناعة البوليستر والبولي ستايرين بشكل لا مثيل له من قبل. فعلى سبيل المثال من المتوقع أن تصل حاجة الصين إلى الإيثيلين المنتج من النافثا إلى نحو 25.5 مليون طن بحلول 2010م، وعلى الأرجح أن تستطيع الصين أن تنتج نحو 70 في المائة فقط من هذه الكمية، ما سيرفع الطلب الصيني على النافثا وغيره من المشتقات النفطية التي يمكن استخدامها كالقيم لإنتاج الإيثيلين وغيره من المواد الأساسية لإنتاج المواد البتروكيماوية.
أما بالنسبة لزيادة طلب الصين على وقود وسائل النقل المختلفة من جازولين، ديزل، وغاز البترول المسال، فهو أيضا من الأكبر في العالم. وعليه فسينتج عن هذا المشروع إقامة شركة منبثقة عن الشركاء الثلاثة وتقوم هذه الشركة بتوزيع الوقود في مقاطعة فوجيان الصينية عبر إنشاء 750 محطة وقود متوزعة في المقاطعة. وتملك "سينوبك" 55 في المائة من شركة توزيع الوقود هذه، وتكتفي "أرامكو السعودية" و"إكسون موبيل" بـ 22.5 في المائة لكل منهما.
أما الشركات العالمية مثل "إكسون موبيل" فتواجه صعوبات بسبب المنافسة القوية من كل دول الخليج لوجود الموارد النفطية والغازية بأسعار لا تستطيع هي منافستها. وتواجه هذه الشركات منافسة شرسة أيضا من الصين، حيث اليد العاملة الرخيصة والقرب من الأسواق العالمية والنمو الاقتصادي الهائل.
إن إدراك ووعي شركة إكسون موبيل للمتغيرات الطارئة على صناعة النفط والبتروكيماويات جعلها متحفزة للشروع في الشراكات التجارية المربحة لها لكي تضمن تسيدها لهذه الصناعات في عالم مليء بالمتغيرات، فتضمن بدخولها بمثل هذه الشراكات استخدام تقنياتها المختلفة لعمليات التكرير وللصناعات البتروكيماوية التي تواجه منافسة قوية من الشركات الأخرى مثل UOP. وقد يكون جزءا كبيرا من نصيبها في هذه الشركة أن تعطي الرخص اللازمة لبعض عمليات التكرير، إضافة إلى المساهمة بجزء من رأس المال.
أما "أرامكو"، فهي أكبر مصدر للنفط في العالم، وتصل قيمة ما تصدره إلى نحو ثمانية ملايين برميل يومياً مشكلة نسبة 10 في المائة من النفط المصدر إلى العالم، وهذا الرقم مرشح للصعود مع العمل الدؤوب لزيادة قدرة المملكة ورفع طاقتها الإنتاجية إلى أكثر من 12 مليون برميل يومياً.
تعد المملكة حالياً أكبر مصدر للنفط للصين، وتصل كمية النفط السعودي إلى الصين نحو 17 في المائة من إجمالي واردات الصين النفطية، حيث زادت صادرات المملكة النفطية هذه السنة من 440 ألف برميل يومياً إلى نصف مليون برميل يومياً. وبحلول 2010م فإنه من المتوقع أن تصل صادرات النفط السعودي للصين إلى مليون برميل يومياً، مشكلة ما نسبته أكثر من 10 في المائة من إجمالي صادرات المملكة للنفط.
والجدير بالذكر أن كل من "سينوبك" الصينية و"أرامكو السعودية" قد دخلتا في شراكة أخرى تهدف للتنقيب على الغاز في الربع الخالي، وهذه الشراكة قد أعلنت عام 2004م بتأسيس شركة مشتركة بين الشركتين العملاقتين تملك "سينوبك" 80 في المائة منها و"أرامكو" 20 في المائة. إن تصميم المصفاة في فوجيان على أساس تكرير النفط العربي الثقيل والمحتوى على كميات غير قليلة من الكبريت هو ضمان سوق لمنتج قد يشهد تسويقه صعوبات في المستقبل بحكم القوانين العالمية الصارمة على المواد النفطية المحتوية على هذه المادة غير الصديقة للبيئة.
وعلى المبدأ نفسه قد يكون من المناسب التفكير الجدي في إقامة مصفاة في الهند، ولا سيما أن موقع الهند الاستراتيجي بين الشرق والغرب ورخص اليد العاملة، إضافة إلى النمو والارتفاع الهائل المتوقع للهند على مشتقات النفط، قد يجعلها في موقع متميز لمن يريد الاستثمار في صناعة التكرير.
ومن الأهمية بمكان أيضا دراسة جدوى إنشاء مصافي في شمال إفريقيا يكون هدفها تصدير النافثا والديزل لأوروبا والولايات المتحدة. فالمغرب مثلاً أعلنت عن نيتها إنشاء مصفاة بقيمة ثلاثة مليارات دولار. قرب المغرب وموريتانيا من الأسواق الاوربية والأمريكية بحكم موقعها على الأطلسي، إضافة إلى وجود الأيدي العاملة الرخيصة، قد يكون فرصة لتسويق إيجاد شريك تجاري دائم لأنواع من معينة من نفط المملكة كالعربي الثقيل والمتوسط.

الأكثر قراءة