سوق بضائع من نوع خاص!

[email protected]

منذ مدة نشرت جريدة "واشنطن بوست" خبراً, أوردته صحيفة أخبار اليوم المصرية, ونقلته كثير من المواقع الإلكترونية, وهذا الخبر مفاده:"أن المواطن الأمريكي (جيمس أندرو) ينتظر حكماً بالسجن المؤبد, بعد أن أدانته محكمة أمريكية في كاليفورنيا بقطع رأس كلبة بطريقة وحشية! وقد حاول المتهم نفي تهمة القوة والوحشية عن نفسه؛ بزعم أنه لم يكن بكامل قواه العقلية عندما ارتكب الحادث. لكن الادعاء قال: إن حالة من الغضب - وليس غيرها- هي التي دفعته لضرب الكلب بعصا (الجولف), ثم قطع رقبته بمقص يستخدم في تشذيب الأشجار!" حقاً إنها جريمة بشعة, حين أقدم (جيمس) على قتل هذا الكلب المعصوم الدم بهذه الوحشية المفرطة! والكلب في لغتهم وفي لغتنا العربية هو الحيوان المعروف, ذو القوائم الأربع, له ذيل في مؤخرته, ولسان يتدلى من فيه.
تالله ما أسعد حظ هذا الحيوان - المذكور أعلاه - في عالم الغرب؛ ما أسعد حظه حين تبلغ قيمته درجة إشغال المحاكم بهذه القضية الحساسة والمعقدة, بل حين تبلغ حد التفكير في الحكم بالمؤبد على جنس الإنسان, حقاً إنه أسعد حظاً من الآدمي؛ لأن حكم القضاء يمكن أن يكون له لا عليه, بل هو أسعد حظاً من بعض الآدميين الذين يلتحفون السماء ويفترشون الأرض في بعض أرصفة (ساندييغو) و(نيويورك), وأسعد حظاً من بعض الآدميين الذين نكل بهم بالكلاب ذاتها في سجن أبي غريب, وأسعد حظاً من الآدميين الذين تم قتلهم في حرب فيتنام والعراق دون محاكمة, وهو أوفى حظاً من الأطفال الذين تم حقنهم بفيروس الإيدز, لأن قاتل الكلب كان ينتظر الحكم بالسجن المؤبد, وقتلة الأطفال كانوا ينتظرون أن يفتح باب الطائرة ليروا أهلهم وذويهم وهم يستقبلونهم بالورود والرياحين في باحة مطار صوفيا, بعد عودتهم إلى أوطانهم في طائرة خاصة!!
وتلك الحفاوة التي لقيها الكلب في قاعة المحاكمة, تذكرني بحفاوة من نوع آخر, في حادثة طريفة وقعت لي وأنا في نيويورك في زيارة شبه رسمية, حيث كنت حينها أتجول في أزقتها وأسواقها, أبحث عن هدايا ثمينة أقدمها لأهلي وأولادي, وذلك حين أزمعت الرجوع إلى أرض الوطن, وحيث إني لا أعرف اللغة الإنجليزية, سوى how many ونحوها من الألفاظ التي أحسنها أنا وأمثالي, وأنطقها بطريقتي الخاصة, لذا فقد كنت لا أعرف السوق أو المحل من لوحة إعلانه, بل أعرفه من معروضاته ومنتوجاته! المهم أني دخلت سوقاً صغيراً, مليئاً بالمعروضات الجميلة, والهدايا الثمينة, فدهشت من كثرتها وتنوعها, فكنت أبحث بينها عما يصلح لأولادي الصغار, واحترت حينها بين بعض الألعاب, وبعض الملبوسات.. إلخ, وقد أثار انتباهي في هذا السوق بالذات, أن كثيراً من مرتاديه كان مصطحباً معه كلباً أو كلبين, وأنا لا أصطحب معي إلا محفظة نقودي, ثم أثار استغرابي أن كثيراً من المعروضات مرسوم عليها صورة كلب أو مجموعة كلاب, حتى على علبة معجون الأسنان وفرشاته! فطال عجبي من هذه العناية الفائقة بالكلاب في تلك البلاد التي توثق فيها صورهم حتى في علب المنتجات, ولاسيما في الوقت الذي كنت أرى فيه بعض الآدميين هناك, لا يجد مالاً يشتري به ما يزيل شعثه, ويكفكف دمعته!
المهم أني مضيت بما معي من أغراض لأستكمل مشوار التسوق, وإذا بي أكتشف أخيراً أن السوق الذي أتجول فيه لا يخص العرب, بل لا يخص الآدميين, وأن الأحذية التي رأيتها, والقبعات والأحزمة التي استحسنتها, أنها لجنس آخر يعيش على هذه الأرض, وهم الكلاب (أكرمكم الله!!) فأسقط في يدي, واستحييت من نفسي, ووضعت الأغراض مكانها بهدوء- مما هممت أن أهديه لأولادي- ورجعت أدراجي, وخرجت من السوق لا ألوي على شيء!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي