الشريعة والاقتصاد

الشريعة والاقتصاد

من بدهيات المعرفة أن الشريعة نظام مطرد من الأحكام يحافظ على أوجه التماثل في وحدة الحكم، ويعطي وجه الفرق بين المختلفات في التصور الذي يتبعه تعدد الحكم أو اختلافه بحسب كل مناط عام أو خاص، ومن أوائل المدارك عند علماء الشريعة أن نصوص الكتاب والسنة هي قاعدة الأحكام وهي قاعدة الأدلة، وعند المحققين أن الدليل التابع بعد ذلك هو الدليل المولد من هذه القاعدة الكلية، ومن هنا صار لا بد من قدر من العناية في فقه الاتصال بين هذه القاعدة في الدليل والدليل التابع بعد الاسم في كثير من كتب الأصول (الأدلة المختلف فيها) باعتبار ضبط قبول الدليل في نظام الأدلة، وباعتبار رتبة الدليل، وباعتبار درجته في تحصيل أصل الحكم، أو الترجيح به إلى غير ذلك من التراتيب التي يجب على الناظر في تحصيل الأحكام من الشريعة أن يكون عارفا بفقهها، وهذا مقام علماء الشريعة من حيث الأصل، وباعتبار أن الاقتصاد علم له نظامه وتراتيبه، فلا بد من فقه الاتصال بين حكم الشريعة والنظريات الاقتصادية التي أصبحت تلقى مزيدا من الدراسة والعناية في عالم الاقتصاد، وهنا يفترض أن يكون ثمت إدراك لطبيعة عالم الاقتصاد في نظرياته المعاصرة، بحيث يكون أثر الشريعة ليس في إعطاء الأحكام من جهة الصحة والبطلان ونحو ذلك، بل مع هذا التنظيم الأخلاقي للاقتصاد حتى يصنع عدالة بين الناس، وهذا يتصل بفقه مراد الشارع في الأحكام المالية، وفقه مناطات النصوص في هذا الباب، فإن من بسيط المعرفة أن المعاملات المالية الأصل فيها الإباحة وليست توقيفية كالعبادات، وإذا نظرت كثيرا من نصوص النهي في هذا الباب تجد حفظ الحقوق الأخلاقية والعدلية هي الحاكمة لكثير من أحكام المعاملات، ومن هنا جاء نهي الشارع عن الغش والغرر والنجش، وغير ذلك مما جاء في الصحاح والسنن عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهذا يعطي أهمية لصياغة نظريات اقتصادية تضمن العدالة الأخلاقية بقدر ما تضمن من خلال المنظور الاقتصادي فرصة كبيرة للربح والبناء الاقتصادي، وبقدر ما تقرأ هذه النظريات من خلال الجدوى الاقتصادية فيجب أن تقرأ قراءة أخلاقية، وهذا أحد مقدمات الحكم الشرعي عند من فقه خطاب الشارع في هذا الباب، والله الهادي.

الأكثر قراءة