رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


تخفيض أسعار الفائدة الأمريكية الأخير .. كشف حقيقة التكامل الخليجي!!!

نشأ جيلنا وترعرع في ظل مجلس التعاون الخليجي، حيث أكمل في عام 2006م ربع قرن من عمره الذي نتمنى أن يمده الله وأن يتخطى مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب ومن ثم الفحولة! كما تربينا على أناشيد "خليجنا واحد وشعبنا واحد"، وكذلك على قصائد "وحدة وحدة وحدة" رغم أننا ست دول مستقلة وذات أنظمة مختلفة! فقد كانت تطربنا الصفقة الخليجية الرنانة المرافقة للقصائد مع صور الزعماء وهم يجتمعون في قممهم الـ 35، والكلام الجميل الذي ينطلق من أفواه المعلقين الذين لا يحسدون على الإمكانات في خلق العبارات الرنانة والمتوشجة بكل عبارات الإطراء والثناء على مسيرة المجلس المجيدة.

طبعا هناك رؤيتان حول تلك المسيرة مثلما هي الحال في رؤية الكأس مملوءة، يعتمد ذلك على مستوى الارتواء أو العطش لدى صاحب كل رؤية ولا غضاضة في ذلك. ولكن الجميع دون استثناء لديهم أيضا طموحات كبيرة وهى لم تأت من فراغ، فهي طموحات مشروعة وممكنة إذا ما خلصت النوايا، حيث لم تتردد القرارات التي تصدر عن قمم المجلس التي تعقد منذ 25 عاماً، ومن اللجان التي ما برأت تنعقد وأمانة المجلس في تأكيد هذا التوجه. وقد وصلت تلك الطموحات إلى إجراء مقارنات بين تجربة المجلس وتجربة الاتحاد الأوروبي لبعض من يرى الكأس مملوءة وهي في ظني طموحات مبالغ فيها، لأن الإمكانات المطلوبة ليست المال فقط، وإنما في المقام الأول كيفية إدارة المال!!!
على أرض الواقع لا توجد من وجهة نظري مفاجأة في وضع المجلس اليوم ولن تكون هناك مفاجآت في المستقبل، وما تم إنجازه هو أفضل الممكن في ظل المعطيات الحالية سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي والعالمي. ولكن المشكلة أن لدي تخوُّفا بأن المنجز رغم كونه في الحدود الدنيا قد يتراجع ومؤشرات هذا التراجع واضحة في الجانب الأكثر حساسية، والذي لا يقبل أنصاف الحلول والاتفاقيات الوسطية، إنه الجانب الاقتصادي من مسيرة المجلس. فهو إما... أو لا، وقد وصلنا إلى المرحلة التي علينا الاختيار فيها إما طريقا واحدا نمشي فيه كمجلس مجتمعين وإما أن تقرر كل دولة المضي حسب الأجندة الخاصة بها. وما يبدو لنا أن الخيار المتخذ على أرض الواقع أن كل دولة اختارت المضي في الطريق المناسب لها رغم التصريحات الرسمية، كما هي حال في سياسة التعاطي مع الدولار الضعيف حسب سياسات أمريكية متعمدة رغم أن التصريحات الرسمية الأمريكية تقول إنها تريد دولارا قويا! ولكن ما أكده رئيس البنك المركزي الأوروبي هو أن على أمريكا إن كانت صادقة أن تقرن الأقوال بالأفعال إذا كانت تريد دولاراً قوياً.
والشاهد على التباين الخليجي ذلك جاء من الولايات المتحدة نفسها، فقد قرر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ولأول مرة منذ سنوات تخفيض سعر الفائدة بـ 50 نقطة إلى 4.75 بعد أزمة الرهن العقاري التي وحسب رؤية خبراء أمريكيين لم تظهر نتائجها الحقيقية بعد ويتوقع أن تكون الأسوأ في عام 2008م، ويتضح ذلك من بداية نتائج الربع الثالث لبنك UBS السويسري الذي سجل خسائر لأول مرة منذ تسعة أعوام بسبب تلك الضمانات المعطاة على تلك الرهونات وباقي المصارف العالمية مثل ميرل لنش، ستي جروب،... إلخ.
كشف هذا الإجراء الأمريكي البحت الذي يهدف إلى خدمة المصالح الأمريكية البحتة، التي أصبحت عملياً متعارضة مع مصالحنا، عن ردود فعل متباينة لدول الخليج الست بعد هذا التخفيض لسعر الفائدة، حيث أبقت المملكة والبحرين وعُمان على سعر الفائدة دون تغيير لأول مرة منذ منتصف الثمانينيات حسب الذاكرة، فيما الكويت تغرد خارج السرب أصلا بسلة عملات، والإمارات وقطر خفضتا من سعر الفائدة على شهادات الإيداع مرتين. وقد كانت تصريحات محافظ البنك المركزي الإماراتي هي ما أكد هذا التباين، حيث حذر الدول التي ترتبط عملاتها بالدولار ولم تخفض سعر الفائدة بأنها ستضطر في النهاية إلى التخفيض وكأنه انتقاد ضمني لقرار مؤسسة النقد العربي السعودي والبحرين وعُمان! إذاً كان من المفترض أن يكون لدينا عملة خليجية موحدة في عام 2010م، كما قالوا (مع العلم أن المفترض أن هامش الاختلاف في كل من أسعار الفائدة والتضخم بين دول الخليج يجب ألا يتخطى 2 في المائة حسب المتفق عليه)! فكيف يمكن فهم هذا التباين الكبير في السياسات النقدية لكل دولة، وطريقة معالجة الظروف الحالية (ثلاث قراءات متباينة لست دول تسعى إلى توحيد عملاتها في 2010م!!!). لا يمكن عملياً أن ننجز العملة الخليجية بهذا الاختلاف الواضح في معالجة الأوضاع المالية الداخلية وبالذات أن معظم مشكلاتنا متشابهة! أنا أفهم حجم التحديات وعدم الوضوح والحالة التي تمر بها اقتصادات الخليج، والتي هي حالة عامة وهي نتيجة تأخر سياسات الإصلاح الاقتصادي وضريبة كبيرة لابد من دفعها الآن بكل أسف، حيث لدينا سيولة أصبحت عبئا، تضخم مستمر، تضعضع في مكونات الطبقة الوسطى لم يسبق له مثيل، نسب نمو كلية ممتازة، وخلل في توزيع الثروات واضح... إلخ، لكن المشكلة الصارخة الآن أن السياسات الأمريكية النقدية وغير النقدية أصبحت تضر بمصالحنا وتكشف حالنا وتعري إمكاناتنا الحقيقية على خدمة الاقتصادات الخليجية بشكل مستقل والمحافظة على مصالحنا!!!
السياسات الخليجية باستثناء الكويت مربوطة إلى حد ما بسياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بسبب ربط عملات الخليج بالدولار الأمريكي الأخضر، والذي هو عملة النفط الأسود! وهو أمر بدأ منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وقد كانت مسببات الربط وخلال ربع القرن الماضي مبررة وذات بُعد استراتيجي واضح، حيث وخلال كل تلك الفترة استطاعت تلك السياسات المتبعة الحد من الأزمات المالية، ولم يشهد الخليج أزمة مالية حقيقية بفضل حنكة وفطنة المسؤولين عن السياسة النقدية، وبالذات في المملكة ذات الاقتصاد الضخم والكبير، ولكن ذلك كان في ظل ظروف ومعطيات معينة ومحددة تتطلب أن نتماشى مع السياسات الأمريكية الدولارية.
نحن الآن في القرن الحادي والعشرين والظروف والمعطيات تغيّرت بشكل كبير، ويتوقع الكثيرون حدوث المزيد من التطورات خلال الـ 50 عاماً المقبلة، وهي تغيرات بحجم الدول وصراع القوى، وقد أكدت معظم الدراسات والأبحاث وتصريحات المسؤولين عن السياسات المالية العالمية ذلك، وأن الظروف الراهنة لم تعد تجدي معها أي من المعالجات المعتادة، وفي مقدمتها أن هيكلة المنتجات المالية العالمية تغيرت فيما لم تتغير السياسات والتشريعات بنفس المستويات. إذن نحن كمن يحاول معالجة أمراض جديدة غير معروفة مسبقا بأدوية قديمة صممت لأمراض معينة ولاقتصادات غير اقتصادنا، وبالتالي طريقة علاج لم تعد تنفع!!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي