استراتيجية المشاركة في إنشاء المصافي خارج المملكة (1)

استراتيجية المشاركة في إنشاء المصافي خارج المملكة (1)

[email protected]

إن ارتفاع أسعار النفط في الآونة الأخيرة ووصوله إلى مناطق سعرية قياسية، من شأنه أن يشعر البلدان المصدرة للنفط بالقلق. فهذا الصعود الكبير بالأسعار يغرى الكثيرين بزيادة الاتجاه للطاقة والوقود البديل. فلا يخفى على أحد الاهتمام الأمريكي والأوروبي الحالي بالوقود الحيوي ومغازلة التجربة البرازيلية في إنتاج وقود الإيثانول.
ويجب ألا يفوت على البال أن الكثير من شركات صناعة السيارات المختلفة ينفق الكثير من المال على تطوير السيارات التي تستخدم الطاقة البديلة من خلايا الطاقة الشمسية وخلايا الوقود الهيدروجيني، وكلما ارتفع سعر النفط كان استخدام البدائل أجدى.
ومن أفضل الأمثلة على الآثار السلبية لارتفاع أسعار النفط أن استخراج الوقود من الفحم الحجري بتقنيات CTL يصبح ذا جدوى اقتصادية إذا وصل سعر برميل النفط إلى منطقة 40 دولارا. وكذلك استخراج وقود الديزل من الغاز الطبيعي بتقنيات GTL يصبح مغرياً جداً بأسعار النفط الحالية. وأما تصنيع ومعالجة النفط الحجري غير التقليدي الموجود بكثرة في كندا وفنزويلا فيصبح من المشاريع الاقتصادية المغرية بعدما كان ينظر إليه كمصدر غير مهم للطاقة.
من هنا أصبح لزاما على الدول المصدرة للنفط بقيادة المملكة أن تجعل النفط متوافراً عالمياً بأسعار معقولة للمنتج وللمستهلك، ومن واجب هذه الدول أيضا حماية صناعتها ومواردها الحيوية بجعل النفط سلعة مطلوبة في كل دول العالم لأطول مدة زمنية ممكنة وهذا طموح مطلوب ومشروع.
لا يخفى على أحد ضعف القدرة التكريرية في العالم، رغم ارتفاع الطلب العالمي عليها، ومن هنا أصبح من الأهمية بمكان على الدول المصدرة للنفط أن تسهم في توفير هذه المشتقات بأسعار معتدلة، بحيث يستطيع معظم سكان العالم استهلاك الجازولين والديزل.
ومن الأمثلة المهمة التي تدل على أهمية مبدأ سهولة الحصول على السلعة، أن الثورة الحقيقية للكمبيوتر حصلت بعدما استطاعت شركة مايكروسوفت إدخال الكومبيوتر الشخصي لكل بيت في العالم بأسعار معقولة للجميع. وعليه فإن دول الخليج بصدد أن ترفع قدرتها التكريرية بغرض التصدير الخارجي، فالمملكة أعلنت إنشاء ثلاث مصاف جديدة على أراضيها، وكذلك أعلنت الكويت نيتها إنشاء مصفاة عملاقة في الزور.
إن مبدأ المشاركة في إقامة المصافي خارج المملكة، مثل الشرق الأقصى حيث القرب من الأسواق العالمية (الصين تحديداً)، واليد العاملة الرخيصة، هو خطوة في غاية الذكاء الاستراتيجي، فمن غير المعقول أن تأخذ المملكة ودول الخليج على عاتقها عبء إقامة كل المصافي على أراضيها وتتحمل في سبيل ذلك الكثير من المخاطر البيئية من أجل تأمين الديزل والنافثا للأسواق العالمية. ولكن في الوقت نفسه فإنه من مصلحة المملكة الاستراتيجية أن تظل المشتقات النفطية، من ديزل وجازولين، متوافرة لأكبر عدد من البشر بأسعار معتدلة تجعلهم لا يفكرون في الاستغناء عن الوقود النفطي.
ومن أهم أهداف المشاركة في إنشاء المصافي في الخارج تأمين مخرج وسوق لأنواع معينة من النفط الثقيل المحتوي على كميات كبيرة من الكبريت، ما يجعل قبولها في الأسواق العالمية غير كبير، لأن معظم المصافي العالمية غير مهيأة لمعالجة هذه الأنواع من النفط. لأجل ذلك أضحى من الضروري أن تأخذ الشركات المنتجة للنفط المبادرة بالدخول في شراكات لإنشاء مصاف خارجية وداخلية، على أن تقوم هذه المصافي بتكرير النفط الذي تراه الشركة المنتجة للنفط مناسباً لها، وغالباً ما تقوم بتسويق أقل أنواع نفطها جودة.
وقامت "أرامكو السعودية" بالمشاركة في إنشاء مصاف في كل من الفلبين والصين والولايات المتحدة، حيث تتم معالجة النفط السعودي الثقيل فيها. وعلى الصعيد نفسه فإن "أرامكو" تمتلك ما قيمته 35 في المائة من أسهم شركة إس أويل الكورية الجنوبية، التي تبلغ قدرة مصفاتها نحو 570 مليون برميل يومياً تأتي من النفط السعودي.
ومع الارتفاع الهائل لأعمال التكرير العالمية والزيادة في الطلب على المنتجات النفطية خاصة في الصين، أعلنت شركة إس أويل مشروعا لإنشاء مصفاة جديدة في دايسان غرب كوريا الجنوبية بطاقة 480 ألف برميل في اليوم، وقد تملك شركة أرامكو ما وراء البحار نسبة 35 في المائة منها.
ومن المتوقع أن يتم إنجاز المصفاة بحلول عام 2010 بتكلفة تبلغ نحو 3.6 مليار دولار. وأشارت الشركة إلى أن المشروع سيؤدي إلى زيادة إجمالي الطاقة التكريرية لشركة إس أويل إلى نحو مليون برميل في اليوم، ما يجعلها ثاني أكبر شركة تكرير بعد شركة إس كيه كوربوريشن.
وفي اليابان تملك "أرامكو" حصة في مصفاة "شوا شل سيكيو كيه. كيه" خامس أكبر مصفاة نفط في اليابان، وهناك اتفاق أن تزيد "أرامكو" من حصتها في هذه المصفاة، وستقوم "أرامكو" بإمداد اليابان بحد أدنى قدره 300 ألف برميل يوميا من الخام العربي. وسيزيد الاتفاق من وجود "أرامكو" التكريري والتسويقي، وتبلغ الطاقة التكريرية لمصفاة "شوا شل" 515 ألف برميل يوميا، وزادت إمداداتها من الخام السعودي على حساب الخام الإيراني.

الأكثر قراءة