للأسف المعلومات المتوافرة ليست حديثة ولا دقيقة ولا شاملة ..
ما حجم الإعاقات في بلادنا؟ وما أنواعها؟ وأين تتركز؟ وما أسبابها؟ وما عدد ونوع المراكز المتخصصة بالوقاية من الإعاقة والتعامل معها؟ لا أحد يمكن أن يعطيك معلومات حديثة ودقيقة وشاملة بما في ذلك الجهات المتخصصة في مجال الإعاقة.
ما حجم البطالة في بلادنا؟ وما نوعها؟ وما نسبها بين الذكور وبين الإناث؟ وما أسبابها؟ وما الجهات التي تتعامل مع هذه المشكلة؟ وما مدى كفاءة تلك الجهات؟ وهل هي متكاملة أم متنافسة أم كل منها يجري في فلك خاص به؟ ما حجم العمالة الوافدة القانونية وغير القانونية؟ وما أثر تلك العمالة في حجم البطالة في بلادنا؟ للأسف لا معلومات حديثة ودقيقة وشاملة.
إلى غير ذلك من القضايا التي يفتقد صانعو ومتخذو القرارات المعلومات الدقيقة والحديثة والشاملة بشأنها، التي تمكنهم رؤية الصورة بوضوح كامل، وكلنا يعلم أنه لا قرار سليما دون ذلك، لكننا للأسف الشديد كلما بحثنا في موضوع أو قضية نجد العامل المشترك "ندرة المعلومات أو غيابها أو قدمها أو عدم شموليتها".
وهذا يعني أن علينا أن نبذل الجهد والمال والوقت فرادى، وهذا يعني ضياع للكثير من المال مصحوبا بتأخير في الإنجاز دون تحقيق التراكم المعلوماتي المنشود على مستوى الدولة، نعم فكل من يريد أن يتصور حجم قضية واتجاهاتها ليعد الخطة اللازمة للتصدي لها أو اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب بشأنها عليه أن يبذل مالا ووقتا للوصول إلى البيانات أولا ومن ثم عليه تحويلها إلى معلومات من خلال معالجتها فكريا، وكل ذلك دون أدنى شك يضعف كفاءة الأجهزة والمؤسسات والمسؤولين في إعداد الخطط السليمة وإصدار القرارات الأكثر صحة وهو ما ينعكس سلبا على الوضع العام في البلاد، حيث تكرر المفاجآت وسيادة خطط الطوارئ على الخطط الاستباقية.
شعوب الدول المتقدمة، التي نسأل الله أن تكون بلادنا منها تنعم بمعلومات شاملة ودقيقة تتحدث تلقائيا من خلال أنظمة تقنية حديثة، كما تنعم بمؤشرات متعددة ومعايير علمية لكل معلومة حتى بات رجل الشارع غير المتخصص فضلا عن صناع ومتخذي القرارات يرى صورة معظم القضايا واتجاهاتها متكاملة أمامه وواضحة ومترابطة الأجزاء بحيث يستطيع اتخاذ قراراته الشخصية على هذا الأساس، فيما يعاني المتخصص لدينا ندرة المعلومات وكأنه طيار يقود طائرته من دون رادار معتمدا على قدراته وآرائه وتقديراته الشخصية المبنية على حدسه وعلى ما يراه، حتى أصبح القرار لدينا وسيلة قياس وللأسف الشديد، نعم أصبح القرار لدينا وسيلة قياس من خلال مراقبة أثر هذا القرار من خلال ردود الأفعال أثناء فترة زمنية، وكأن القرار وتداعياته حلت محل الدراسات والبحوث التي توفر المعلومات التي ترفع من درجة سلامة القرار.
وإذا كانت بلادنا لم تعان الكثير فيما مضى من الزمن نتيجة لشح المعلومات والبيانات المتاحة، فإنني أجزم بأننا سنعاني أشد المعاناة إذا لم نعالج تلك القضية في زمن العولمة، ذلك بأن الآخر المتقدم يعلم عن نفسه كما يعلم عنا الكثير لأنه قام بهذه المهمة نيابة عنا ولكنه احتفظ بالمعلومات لديه لأنه يدرك أن المعلومات قوة، وأن هذه القوة يمكن أن يستخدمها لصالحه في أي ميدان اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي أو ثقافي كان، وأن جهلنا بالمعلومة نقطة لصالحة في ميدان المنافسة الشرسة.
ما الحل؟ يقول لي أحد المتخصصين بأنظمة المعلومات إن المعلومات كما المدينة تماما حيث يجب تطوير بنية تحتية رئيسية لها أولا، ثم تستكمل بعد ذلك التفرعات حسب المطلوب بناء على التطورات، وليس العكس أن نقوم ببناء الأحياء والطرق الفرعية ثم نشرع في بناء الطرق الرئيسية والبنية التحتية فذلك سيكون أكثر كلفة وأقل جودة، ويضيف هذه المتخصص بأنكم في المملكة تعانون عدم وجود بنية تحتية سليمة للمعلومات كما هو في الدول المتقدمة بل كما هو موجود في الدول المجاورة حيث تمتلك الكويت على سبيل المثال نظاما متطورا للمعلومات المدنية يتحدث بشكل يومي تلقائيا من خلال منهجية فاعلة وعمليات يومية بين مركز المعلومات وأذرعه في كل وزارة أو جهاز حكومي كبر أو صغر، وهو ما مكن الأجهزة الحكومية كافة من إدخال معلوماتها أولا بأول، كما مكنها أيضا من الحصول على المعلومات الحديثة الدقيقة والشاملة بشكل يومي لتبني عليها قراراتها الاستراتيجية والتنفيذية اليومية بعد أن يقوم النظام المعلوماتي بمعالجتها بشكل متكامل مع بقية المعلومات الواردة مع الجهات كافة.
إذن نحن بحاجة لمركز للمعلومات المدنية بحيث يفتح ملف لكل مواطن أو مقيم في هذا المركز ثم يتم ربط المعلومات كافة بهذه الملفات سواء معلومات اجتماعية أسرية أو صحية أو سكانية أو سكنية أو تجارية أو أمنية أو مالية أو حتى عادات شرائية .. إلخ، بحيث يستطيع كل طالب لأي معلومة كانت بضغطة زر من خلال نظام المعلومات الفاعل والمطبق في الدول الأخرى أن يحصل على المعلومة التي يريد.
فلو أردنا أن نعرف عدد المعاقين ونوع الإعاقات وأماكن تركزها لاتخاذ قرارات مناسبة لوصلنا إلى كل ذلك بسهولة، حيث إن كل فرد مقيد بهذا السجل المدني ومصاب بالإعاقة يكون مذكورا كمعاق ومحدد نوع الإعاقة وبالتالي يعطينا النظام تلك المعلومات متى ما طلبناها بشكل دقيق وحديث وشامل، كذلك لو شئنا أن نعرف عدد الأسر ومتوسط الأعمال ونسب الزواج والطلاق والعنوسة لتمكنا من ذلك بسهولة أيضا، وهكذا، وكل ذلك سينعكس إيجابا على جودة القرارات وجودة الحياة العامة بالمحصلة.