انهيار حاد في البورصات الأمريكية والأوروبية واليابانية
في هذا التقرير نستعرض حدثين مهمين: الأول هو صدور بيانات النمو للناتج المحلي الأمريكي الذي على الرغم من التدهور في قطاع الإسكان وزيادة مخاطر أسواق السندات فقد حقق ارتفاعا جيداً، والآخر هو التدهور الحاصل في قطاعات التمويل التي أدت إلى انهيار البورصات الأمريكية والأوروبية واليابانية على حد سواء.
أمريكا
على الرغم من توقعات النمو القوي للناتج المحلي الإجمالي فقد تجاوز نمو الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الثاني من هذا العام 2007 توقعات جميع المحللين حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بأسرع معدل له خلال عام ليبلغ 3.4 في المائة في مقابل معدل 0.7 في المائة خلال الربع الأول وهو المعدل الأضعف منذ عام 2002، ويأتي هذا التحسن في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل أساسي من التحسن في قطاع الصناعة وزيادة الصادرات، حيث سارع المنتجون إلى بناء مخزوناتهم واستيفاء الطلبات المتزايدة من المستوردين الأوروبيين والآسيويين. وينتظر أن تتم مراجعة هذه التوقعات خلال شهري آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) مع ورود معلومات جديدة.
وبذلك يعوض النمو في القطاع الصناعي أثر التباطؤ في قطاع الإسكان على معدل نمو الناتج المحلي الذي يستقطع قرابة الواحد في المائة من المعدل كما أنه مستمر في التباطؤ بشكل أكبر. حيث أشار تقرير مبيعات المنازل القديمة إلى تراجع في عدد المنازل المباعة خلال حزيران (يونيو) لتبلغ 5.750 مليون منزل في مقابل 5.990 مليون منزل خلال أيار (مايو) الماضي، إضافة إلى ذلك أشار تقرير مبيعات المنازل الجديدة إلى انخفاضها في حزيران (يونيو) إلى 834 ألف وبأقل من التوقعات البالغة 89 ألف منزل، في حين بلغت مبيعات المنازل الجديدة لشهر أيار (مايو) الماضي 915000 منزل، مما يعني أن مسلسل التباطؤ في قطاع الإسكان مستمر خلال هذا العام.
وفي حين انخفضت الطلبات من السلع المعمرة في أيار (مايو) بمعدل 2.8 في المائة، عاودت الارتفاع في حزيران (يونيو) لتبلغ 1.4 في المائة مما مثل انعكاساً للتوسع في الطاقات الإنتاجية للمصانع لمواجهة الطلبات الخارجية المتزايدة على السلع الأمريكية. وهذا التزايد في الطلبات الأمريكية هو نتيجة طبيعية لسياسة الدولار المنخفض التي انتهجتها أمريكا وذلك لتحسين ميزان العجز التجاري وميزان الحساب الجاري من جهة ومن جهة أخرى تعويض الخسارة الناتجة عن تباطؤ قطاع الإسكان التي أشرت إليها في السابق.
فيما يتعلق بقطاع العمل أظهر مؤشر Help -Wanted الذي يحسب بمتابعة إعلانات طلبات العمل المؤقتة في أكبر 21 جريدة يومية انخفاضا عن قراءته في أيار (مايو) الماضي بواقع نقطة واحدة، حيث انخفض إلى معدل 26 نقطة. ويعد قطاع العمل المفتاح الرئيسي الذي يحكم اتجاه الاقتصاد الأمريكي، حيث إن التماسك في هذا القطاع هو الذي خفف بشكل كبير من آثار أزمة قطاع الإسكان وآثار ارتفاع تكلفة الغذاء والوقود، واستمرار الاقتصاد الأمريكي في النمو بمعدلات معقولة سيظل مرهوناً بالتماسك في قطاع العمل.
تقرير جامعة ميتشجان لمشاعر المستهلكين أظهر تحسناً في تموز (يوليو) عن الشهر السابق، حيث بلغ المؤشر 90.4 نقطة وهي أقل من التوقعات التي بلغت 91 نقطة، في حين بلغت قراءة المؤشر في حزيران (يونيو) 85.3 نقطة. ويشير ذلك إلى تجاوز المستهلكين مشكلة الارتفاع في تكلفة الوقود وإلى بوادر الاستهلاك المستقبلية لهم التي تمثل المحدد الرئيسي للناتج المحلي الإجمالي، حيث يمثل الاستهلاك ثلثي مكونات الناتج المحلي الإجمالي. ويرتبط هذا المؤشر بشكل مباشر بتماسك سوق العمل وبمعدل التضخم حيث إن الأول يحسن من تطلعات الناس الاستهلاكية بينما يقوض التضخم من قدرتهم الاستهلاكية. إضافة إلى ذلك فإن تكلفة الوقود تمثل نسبة كبيرة من استهلاك الأمريكيين، حيث تؤثر في تكلفة الانتقال وتكلفة المنافع العامة الأخرى كالكهرباء ووقود التدفئة، مما يجعله عنصراً مهما لتحديد توجهات الإنفاق في المستقبل.
الأسواق المالية الأمريكية والأوروبية
تراجعت مؤشرات الأسواق الأمريكية خلال هذا الأسبوع بشكل حاد على أثر تراجع عمليات السيطرة والاستحواذ بهدف التحول إلى الملكية الخاصة التي مولت بشكل كبير بواسطة سندات قليلة التكلفة وسهل الحصول عليها. ولكن هذه الميزة لم تستمر كثيراً خصوصاً بعد تدهور السندات المدعومة بقروض الرهونات العقارية المتدهورة أصلاً والتي أدت إلى خسائر كبيرة في أحد كبار صناديق التحوط المملوكة لبنك بيرن ستيرن الاستثماري التي أثارت القلق بشأن زيادة مخاوف المستثمرين في سوق السندات بشأن زيادة مخاطر هذه السوق، مما أدى إلى تقييد التمويل بواسطة السندات بشكل كبير، الأمر الذي أثر بشكل كبير في عملية الاستحواذ والسيطرة التي كانت السبب الرئيسي وراء عملية الارتفاع في أسواق الأسهم الأمريكية خلال الشهرين الأخيرين.
وفي يوم الخميس الماضي الذي يمكن أن يطلق عليه "خميس أسود جديد" انهارت الأسواق المالية بشكل كبير حيث خسر "داو جونز" قرابة 311 نقطة فقط في ذلك اليوم وما يقارب 400 نقطة خلال الأسبوع. كما انخفض مؤشر ستاندارد آند بورز قرابة 60 نقطة خلال الأسبوع. هذه الانخفاضات والمشكلات في سوق الائتمان قد تدفع بالاحتياطي الفيدرالي – حسب بعض المحللين – من التحول من سياسة استهداف الأسعار (التضخم) إلى سياسة استهداف النمو، التي تعني توجه الاحتياطي إلى تخفيض سعر الفائدة بنهاية العام. ويؤكد ذلك زيادة نسبة المحللين الذين يتوقعون توجه الاحتياطي لتبني هذه السياسة من أجل تفادي تأثير ذلك على أداء قطاع الشركات وعلى دخول الأمريكيين التي يجنون جزءاً كبيراً منها من الاستثمار في أسواق الأسهم.
الأسواق الأوروبية لم تسلم هي الأخرى من عملية الانخفاض الشديد هذا الأسبوع، حيث انخفض مؤشر داو جونز ستوكس بمعدل 5.1 في المائة هذا الأسبوع على أثر قلق بشأن تدهور في وسائل التمويل وانخفاض في عمليات الاندماج والسيطرة كالتي تحدث حالياً في الأسواق الأمريكية.
اليابان
اليابان هي الأخرى بدت متأثرة بشكل كبير من التراجع الذي فرضه تدهور قطاع الإسكان الأمريكي على سوق السندات والذي أدى إلى تراجع في أسواق الأسهم الأمريكية، حيث خفضت اليابان من احتمالات زيادة سعر الفائدة على الين خشية أن يمتد أثر هذا التدهور في قطاع الإسكان إلى التأثير بشكل أكبر على أداء الناتج المحلي الأمريكي ومن ثم التأثير على حجم الواردات الأمريكية من اليابان. وعلى أثر ذلك تأثرت أيضاً أسواق الأسهم اليابانية، حيث انخفض مؤشر نيكاي لأقل معدلاته خلال الأشهر الأربعة ليبلغ 17283.81 نقطة بمعدل انخفاض بلغ خلال يوم الجمعة 2.36 في المائة.
إضافة إلى ذلك انخفضت مبيعات التجزئة اليابانية بمعدل 0.4 في المائة على أثر ارتفاع الضرائب وانخفاض الأجور، مما سيشكل ضغطاً إضافياً على البنك المركزي الياباني بشأن عدم اللجوء إلى رفع سعر الفائدة.