رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل تحلم الأمة بأعياد مجيدة؟

هل يوجد علاقة بين الخيال والواقع؟ سؤال طرحته على نفسي، فألفيت نفسي أدلف في متاهات كثيرة عند محاولة الإجابة على هذا السؤال. متاهات لا حدود لها ومتشعبة، يدخل في هذه المتاهات الخيال العلمي science ficition، وتدخل فيها أحلام اليقظة، كما يدخل فيها الواقع وما يحتاج إليه من جهد وعمل ومشقة لتحقيق الطموحات والأحلام.
الواقع كان في يوم من الأيام حلماً يراود فرداً أو مجموعة، لكن بالتخطيط، والتنظيم، والعمل تحول ذلك الحلم إلى واقع ملموس نتعامل معه، ونحس به، ونؤثر فيه، ونتأثر. لو قدر وسألت مجموعة من الأفراد ماذا يريد كل واحد منهم أن يحقق في هذه الحياة لسمعت إجابات متعددة، حيث كل واحد منهم يسمعك إجابة مختلفة عن إجابة زملائه، فالفقير يحلم بالغنى، والخلاص من حياة قلة ذات اليد، والأعزب يحلم بالزواج، والمريض يتمنى الشفاء، والغريب يتمنى العودة إلى دياره، وأهله. هذا على مستوى الأفراد، أما على مستوى المجتمعات، فالأمر ينطبق عليه ما ينطبق على الأفراد، لكن بصورة أكبر، فالمجتمع الفقير يتطلع إلى موارد اقتصادية أكبر، والمتخلف علمياً وثقافياً ينتظر الوقت الذي يكون فيه في مصاف الأمم المتقدمة ينافسها في عطائه العلمي ويقدم للآخرين ثقافته، وحضارته على اعتبار أنها الثقافة المرموقة، والواجب احتذاؤها. والمجتمع الذي يعاني الظلم والاستبداد يتطلع للخلاص من هذا الواقع. تبدأ الإنجازات والمكتسبات على شكل حلم صغير يكبر مع الوقت ويتبلور عندما يوجد من يصقل هذا الحلم ويطوره ويوفر متطلباته المادية والبشرية.
ورد في إحدى الروايات العلمية حديث عن ما يعرف الآن بالمراكب الفضائية، حيث تصور كاتب الرواية آلة تسبح في الفضاء، وتغزوه، وكان ذلك قبل مئات السنين، أعتقد أن مَن قرأ هذه الرواية من معاصري كاتبها، أو من جاءوا بعده شكوا في قدراته العقلية ولم يعيروا مثل هذا الطرح ما يستحق من اهتمام، لكن بمرور الزمن ونمو المعرفة البشرية وتراكمها تحولت القصة إلى حقيقة، فمراكب الفضاء أصبحت تجوبه ليل نهار وتغزو أفلاكه، وتصور، وتدرس مكونات هذه الأفلاك، والأجرام. تناولت هذا الموضوع مع اقتراب العيد حيث تذكرت بيت الشعر القائل:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيك تجديد
وتساءلت: ماذا لو توقف كل واحد منا عند هذا البيت فماذا سيخرج به حول ذاته، وحول أسرته، وحول مجتمعه الصغير، ثم حول مجتمعه الكبير، وأمته. مرت أعياد كثيرة علينا أفراداً، وجماعات تبادلنا فيها التهاني بالمناسبة، والأماني، والدعوات بشأن المستقبل، لكن في كثير من الأحيان ننتهي عند هذا الحد، ولا نُفَعِل الإمكانات المتوافرة لدينا سواء كانت عقلية، أو جسدية، أو مادية، أو معنوية. مع الوقت تضعف هذه الإمكانات وتتلاشى حتى تنتهي مثلها مثل الماء الذي يؤخذ منه دون أن يكون له ما يغذيه، لا شك أنه سينتهي في وقت من الأوقات، ومثل النفط الذي نعتمد عليه في سائر حياتنا سيأتي اليوم الذي لا وجود له فيه.
راجعت نفسي في أحلام الماضي وحقائق الواقع فألفيت أن الأحلام كثيرة منها ما تحقق، ومنها ما تسرب، وتلاشى، مثله مثل العسل الذي انسكب على الأرض عندما كسر الجرة حاملها.
حاولت أن أبحث عن أسباب عدم تحقق بعض الأحلام، فوجدت أن الأمر لا يخرج عن سببين، السبب الأول شخصي، إذ قد أكون قصّرت في اتخاذ الأسباب الموصلة لهذه الأماني، والطموحات، وربما غلب علي القانون النفسي المعروف بالتسويف والتأجيل، وهذا حال كثير من الناس. أما السبب الآخر وراء عدم الوصول لبعض الطموحات، فقد يكون بيئياً مرتبطاً بالمجتمع، وثقافته التي قد تتضمن بعض المعوقات، وهذا أمر خارج عن إرادة الفرد. وكثير من الناس قد يكون مجتمعه وبيئته سواء الصغيرة أو الكبيرة هي السبب وراء إخفاقه في تحقيق طموحاته.
حاولت أن أحلم بالنيابة عن الأمة مع اقتراب العيد، وأطلقت العنان لخيالي بهذا الشأن، فرأيت الأمة الإسلامية والعربية بعد عام من الآن وهي خالية من الأمية، تنتشر فيها المدارس ودور العلم، والجامعات، توجد فيها المستشفيات الراقية، والمزارع المنتجة لغذاء أبناء الأمة، والمصانع العملاقة ذات الكفاءة العالية التي تغني الأمة عن إبرام الصفقات بمليارات الدولارات. تخيلت الأمة وهي خالية من الحروب، والفتن، والصراعات بين أبنائها، وتخيلتها، وهي وحدة واحدة متماسكة تواجه العدو ولسان حالها يقول "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا" ويقول أيضاً "كنتم خير أمة أخرجت للناس".
بعد هذا الاسترسال في الأحلام توقفت، وسألت: ما مدى الواقعية فيها؟ وهل يمكن أن تتحقق؟ ألفيت الجواب في قول الباري "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" قانون تحقيق الأهداف، والطموحات، واضح، ومحدد، ويبدأ بالذات الفردية والذات الجماعية، ولا يمكن تجاوز هذا القانون، فالغرب ممثلاً في أوروبا وضع الوحدة هدفاً له قبل ستين سنة، وها هو الآن يضع لبناتها لبنة لبنة من وحدة اقتصادية، إلى وحدة عسكرية، إلى وحدة في التشريعات، والأنظمة، وفي الطريق الوحدة السياسية والتكامل التام.
بالوعي، والثقافة تستطيع الأمم تحقيق طموحاتها، والوعي لا يتحقق دون العلم والمعرفة، والبحث، وواقع حالنا يشير إلى تخلفنا عن الركب العلمي في مجال المعرفة فنحن نستهلك المعرفة التي تنتجها المختبرات، والمعامل ودور البحث في العالم الآخر، ونصيبنا ضئيل في إمداد المعرفة العالمية. الأخذ بالأسباب هو البذرة التي تنمو معها وبها الأحلام، ومكونات الأسباب المؤدية للقوة والتلاحم في أمتنا كثيرة، لكنا قصرنا في استثمارها والأخذ بها، مما حولنا إلى عالة على الأمم الأخرى نستجدي مددها، ونتطلع إلى الحلول التي تفكر فيها بالنيابة عنا لحل مشكلاتنا. أي حلم مهما كان في صعوبته، يمكن أن يتحقق متى ما توافرت الإرادة، والعزم، والأخذ بالأسباب التي أودعها الله فينا من قدرات، واستعدادات وأودعها في أراضينا من الخيرات، والنعم. وإن أهملنا هذه الأمور وأغفلنا الأخذ بها، فإن مصير الأحلام تلاشيها كما تلاشت أحلام الفلسطينيين الذين وقعوا اتفاقية أوسلو، حيث كانوا يحلمون بإقامة دولة لهم خلال أشهر، وهاهم بعد مضي أربعة عشر عاماً دون دولة، وحال دونهم ودونها عدم الأخذ بالأسباب الموضوعية التي يقتضيها مثل هذا الهدف وأولها معرفة العدو على حقيقته، في صفاته، وخصائصه النفسية والتي أثبتتها البحوث ووقائع التاريخ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي