تطوير المشتقات في نظام المصرفية والتمويل الإسلامي
تلعب المؤسسات المالية باعتبارها مسامير الدولاب في عملية الوساطة المالية دوراً بالغ الأهمية في تسهيل تدفق رأس المال إلى المجالات التي يمكن أن توظف فيها بأفضل شكل منتج. وتستجيب عملية الوساطة المالية إلى التغيرات التي تطرأ على هذه البيئة بابتكار منتجات وخدمات جديدة، وعلى هذا النحو فإنها تعمل باستمرار على إعادة تشكيل المشهد المالي العالمي. وتعد المشتقات من بين أكثر القطاعات الفرعية ابتكاراً في قطاعات الصناعة المالية. وتحديداً، فإن منتجات فوق الكاونتر ليست مشتقات في أسواق منظمة، بل هي منتجات تتم وفقاً لطلب الزبون، وكثيراً ما تكون بالغة التعقيد لأنها تجمع بين الأدوات المالية القياسية التي توضع في حزمة واحدة لتلبية الاحتياجات المحددة للزبائن. وتنطوي هذه العقود على قروض مباشرة قليلة جداً تقدمها البنوك للزبائن، وتولد قدراً ضئيلاً من دخل الفائدة الصافي للبنوك. إن المشتقات تولد رسوماً كبيرة ودخل عمولات كبيراً دون الحاجة إلى ربط أي جزء من أموال المؤسسة. ولذلك، فإن هذا يشتمل على أسلوب آخر لإدارة المخاطر. وهناك تحول عن التقدير المستمر للخطر وعن مراقبة خطر المشاريع الاستثمارية الممولة التي تنتج في العادة تدفقات متكررة من دفعات الفائدة بمرور الوقت إلى تحديد المهن التي لا تنطوي على الخطورة والتي تنتج دفعات واحدة كبيرة، مع تحمل مشتري هذه الحزم ما تبقى من المخاطر. ومن الممكن تصاعد هذه العملية عبر إدخال المتطلبات المالية التي تنطوي على مخاطر كبيرة. ويقوم لاعبو السوق والمنظمون بدور مهم في موازنة الخطر المحتمل مع العوائد المحتملة من أجل تطوير نظام مالي نشط وحيوي دون التضحية باستقرار النظام وتكامله أو خفوت حركته.
ومن المسؤوليات الرئيسية للبنك المركزي المحافظة على الاستقرار المالي وعلى الثقة به، وضمان استمرار أداء عملية الوساطة المالية وظيفتها دون انقطاع. ويقدم النظام المالي والمصرفي خدمات مالية حيوية للناس. وهو قناة تنفذ من خلالها السياسات النقدية للبنك المركزي.
تستخدم المشتقات الإسلامية عموماً كأدوات للتحوط وإلى حد معين لتعزيز المردود. وقد سمحت هذه المشتقات للمؤسسات البنكية بزيادة ابتكار المنتجات، وفي الوقت نفسه فإنها توفر الوسائل اللازمة لإدارة المخاطر المتزايدة بشكل أفضل. ومع اقتراب العمل بالمشتقات الائتمانية ومقترحات باسيل، أصبحت المشتقات تعد على نطاق أوسع أسلوباً من أساليب تخفيف المخاطر من شأنه أيضاً أن يقلل من متطلبات الكفاية المالية.
إن حقيقة أن النمو في المشتقات المالية تجاوز بكثير النمو في الاقتصادات الحقيقية الأساسية التي ولدت العمليات الأصلية والمخاطر الخاصة بالتنويع هي من الأمور التي تثير قلق المنظمين. ويبدو أن المضاربين تبنوا المشتقات كشكل آخر من أشكال الاستثمار لتحقيق مكاسب مالية قصيرة المدى. وإذا خرجت المشتقات المالية عن زمام السيطرة بسبب الإفراط في نشاط المضاربة، فإن تنويع المخاطر قد يثبت أنه وهم من وجهة نظر الاقتصاد الكلي لأن المخاطر الجديدة التي أتت عن طريق المشتقات يمكن أن تفوق المخاطر التي تشكلها الموجودات المالية الأكثر خطراً على النظام المالي.
ولكن كيف تستفيد الصرافة الإسلامية من مشتقات تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية بغية تسهيل عملية التحوط للمخاطر. إن النظام المالي الإسلامي الذي يضم الصناعة المصرفية الإسلامية، وأسواق المال الإسلامية، وسوق التكافل أخذ يصبح مكوناً ذا أهمية متزايدة في الساحة العالمية.
وهناك تحديات فريدة تواجه عملية تطوير منتجات المشتقات الخاصة بالنظام المصرفي والتمويلي الإسلامي لأن المنتج النهائي لا يجب فقط أن يكون متفقاً مع الشريعة الإسلامية في الشكل والجوهر، ولكن يجب أن يكون جذاباً للعملاء على الصعيد العالمي. وفي حين يشجع الإسلام على إدارة المخاطر في العمليات المالية، فإن الأدوات التي تستخدم في هذه الإدارة يجب ألا تحتوي على عناصر الربا المحرم، ولا على الغرر (عدم اليقين) ولا على الميسر(القمار). وهناك بعض المنتجات المالية الإسلامية القائمة التي تشتمل على فوائد التحوط. فعقد بيع السلم، على سبيل المثال، هو عقد يتفق فيه طرفان على إنفاذ عملية بيع أو شراء أصل من الأصول في تاريخ لاحق محدد سلفاً ولكن بسعر يتم التفاوض عليه ودفعه بالكامل اليوم. ويعد عقد الاستصناع مثلاً من العقود الآجلة حيث يتعاقد المشتري مع المصنِّع على تصنيع منتج في تاريخ لاحق. ومن الأمثلة الأبرز على ذلك عقد الاستجرار المعمول به في باكستان، الذي يشتمل على خصائص خيار الوضع والطلب، ويمكن المشتري من وضع سقف لسعر الشراء والبائع من وضع حد أدنى لسعر البيع.
وما زال هناك جدل كبير بين العلماء المسلمين حول قبول مختلف أشكال منتجات المشتقات من منظور الشريعة الإسلامية. ومن ثم فإن هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمار في رأس المال الفكري في مجال التمويل الإسلامي من أجل تعزيز الابتكار الذي يتكامل مع المبادئ الإسلامية في أدوات التمويل الإسلامي. وسوف تعمل الجهود التي نبذلها لمواكبة هذه التطورات على تسهيل الإسراع في تطوير الأدوات المالية الإسلامية بغرض تخفيف المخاطر والإدارة.
ومن الواضح أن هناك فرصاً عالمية في مجال المشتقات لأن الخطر في البيئة المالية هذه الأيام هو نتاج حالات عدم اليقين السائدة في الأسواق العالمية سواء أكانت مالية أو غير مالية.
*محافظة البنك المركزي الماليزي