رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المخاطر المالية للتجارة العالمية

[email protected]

كنا قد تحدثنا في مقال سابق عن الأبعاد التي من الممكن أن تخلفها فرضية فك ارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي على مستوى قطاع الأعمال والتجارة العالمية للشركات العاملة في اقتصاد الريال السعودي. وتحدثنا عن أبعاد تذبذب أسعار العملات على الصادرات عل مستوى ميزانيات الشركات بحيث إن هذه التقلبات بلا شك تنعكس على مستويات المخاطرة للشركات المنتجة والمصدرة والمستوردة, أي جميع الشركات التي تمثل الدائرة للعملية التجارية. ولذلك فإن أي شركة تحمل في ملفاتها مستوى مخاطرة معينا مرتبطا بحجم ومكان وزمان عملياتها التجارية, ولذلك فإن الشركات الكبيرة والمتعددة الجنسية MNC تملك إدارة خاصة لإدارة المخاطر الناتجة عن فرق العملات تحت جميع الظروف, ولذلك فإن أهم ما تطبقه تلك الشركات هو التحوط ضد مخاطر تقلبات أسعار العملات العالمية, خصوصا تلك التي تتعامل بها الشركات. ولعل من المناسب استعراض التجارب التي حدثت للشركات العالمية الناتجة عن التذبذب في أسعار العملات الرئيسية وكذلك الآثار التي خلفها ذات التغير على مستوى تكلفة المشاريع أو أرباح الشركات.
ولعلي استعرض باختصار ما حدث لشركة الطيران الألمانية "لوفتهانزا" كمثال على المخاطر المالية في العمليات التجارية العالمية، ففي عام 1986 قررت شركة لوفتهانزا شراء 20 طائرة 737 من شركة بوينج الأمريكية بمبلغ 500 مليون دولار على أن يتم التوصيل خلال سنة من تاريخ توقيع العقد، وفي تلك الفترة كان سعر صرف المارك الألماني 3.2 دولار وفي الوقت نفسه كانت "لوفتهانزا" تبيع تذاكرها في السوق الأمريكية بالدولار ولكنها لم تكن بحجم الصفقة نفسه.
وكأي شركه عالمية كانت "لوفتهانزا" تملك أدوات التحوط ضد المخاطر المالية لمثل هذه العمليات التجارية مثل العقود الآجلة والخيارات, إضافة إلى الأدوات التقليدية كالشراء اللحظي للعملة أو الوضع المكشوف, أي شراء العملة في وقت الاستحقاق، وعليه فإن الاحتمالات المطروحة أمام "لوفتهانزا" كانت على النحو التالي:
استخدام الوضع المكشوف، وعليه فإن تكلفة الصفقة في حالة عدم تغير سعر الصرف ستكون 1.6 مليار مارك أو البقاء مكشوفا أمام تذبذب سعر الصرف بين المارك والدولار صعودا أو هبوطاً أو استخدام العقود الآجلة وهي التي ستبقي التكلفة الإجمالية دون تغيير عند 1.6 مليار مارك بغض النظر عن سعر الصرف المستقبلي، وهذا الخيار يعد صعبأً لعدم توافر المبلغ لدى "لوفتهانزا". والخيار الثالث تغطية نصف المبلغ بعقود آجلة وبقاء النصف الآخر مكشوفا بحيث تكون التكلفة 800 مليون فرنك, إضافة إلى نصف مكشوف أمام تذبذب سعر الصرف بين المارك والدولار صعودا أو هبوطاً. الخيار الرابع هو في استخدام الخيارات بحيث تكون التكلفة الإجمالية في حالة ارتفاع الدولار 1.696 فرنك باستخدام حق الخيارات أو بتكلفة أقل مع خسارة 69 مليون فرنك قيمة حق الخيارات.
كان القرار الذي اتخذته إدارة "لوفتهانزا" هو استخدام 50 في المائة عقود آجلة و50 في المائة مكشوفا حيث قامت بشراء عقود آجلة بقيمة 250 مليون دولار بسعر 3.2 دولار أي بقيمة 800 مليون فرنك وأبقت 250 مليون دولار مكشوفة. في عام 1986 وهو موعد الدفعات كان سعر صرف المارك الألماني 2.3 دولار، لتكون التكلفة الإجمالية للصفقة هي 1.375 مليار فرنك.
وبنظرة سريعة على الاحتمالات التي كانت تملكها "لوفتهانزا" عام 85، فإن التكلفة الإجمالية للصفقة ستكون كالتالي: 1.15 مليار فرنك باستخدام الوضع المكشوف، 1.6 مليار فرنك باستخدام العقود الآجلة و1.246 مليار فرنك باستخدام حق الخيارات، وسأترك للقارئ الكريم التحليل لمستوى الربح والخسارة من العملية المالية.
ختاما، فإن تجربة شركة لوفتهانزا توضح بجلاء أن استخدام التحوط في العمليات التجارية المتعلقة بالعملات يؤثر بشكل كبير في ميزانيات الشركات، ولذلك فإن أي قرار تتخذه الإدارات المالية وإدارات المخاطرة المالية هو قرار استراتيجي يجب أن يأخذ في الاعتبار جميع المتغيرات السياسية والاقتصادية المحيطة وتخضع لتحليل دقيق لمتغيرات السوق العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي