هل صحيح ترتيبنا 23 عالميا في أداء الأعمال!؟
يفرح الإنسان بالإنجاز لوطنه بقدر فرحته لنفسه وهو أمر مفروغ منه ويجب أن يكون ديدن الجميع فلا راية فوق راية مثل هذا الوطن الغالي. وقد احتفلنا بالأمس القريب بصدور تقرير "أداء الأعمال 2008م" من البنك الدولي، الذي سجل المملكة العربية السعودية في المرتبة 23 من أصل 178 دولة ضمها التقرير. وهو أمر يعني القرب من القمة وقد أصبحت أمام أعيننا ولكنا لم نصلها بعد فلا يزال الطريق طويلا، بل إن المتبقي أصعب مما فات، ولكن أيضا رؤية 155 دولة خلفنا تعني الكثير.
يغطي التقرير عشر بنود رئيسية ابتداء من بدء النشاط وانتهاء بتصفيته والخطوات التي يحتاج إليها المستثمر سواء محلي أو دولي لذلك. وما يهم في هذا المقام بالدرجة الأولى بحكم الأهمية والتخصص هو بند الحصول على الائتمان، فهو جزئية مهمة وجديرة بالتوضيح. فقبل عام 2004م كان تصنيف المملكة فيما يخص مؤشر المعلومات الائتمانية (0.2) من أصل (6)، اليوم وبعد ثلاثة تقارير لثلاث سنوات عمل متواصلة فقد وصل المؤشر إلى (6) من أصل (6). كما كان حجم التغطية فيما يخص المعلومات الائتمانية حسب القطاعات الاقتصادية المختلفة لا يتجاوز 10.2 في المائة في عام 2006م ثم قفز إلى 12.5 في المائة في عام 2007م، أما التقرير الأخير لأداء الأعمال لعام 2008م فقد سجل 23.5 في المائة وهو ما يؤكد أن المشوار طويل ولكننا في الطريق الصحيح إن شاء الله، وبالتالي فقد قفز الترتيب فيما يخص الحصول على الائتمان بالإجمال من 65 في تقرير "أداء الأعمال 2007م" إلى أن وصل 48 في تقرير أداء الأعمال 2008م".
يسعدني كثير ما كان لتضافر الجهود وهي مساهمة من الجميع وعلى رأسهم وزارة المالية، وزارة التجارة، هيئة الاستثمار، مؤسسة النقد، والبنوك التجارية لتحقيق تلك الأهداف كما يشرفني ما كان للشركة السعودية للمعلومات الائتمانية من دور متواضع في رفع ترتيب المملكة في جزئية الحصول على الائتمان كما ذكرنا، وهي رحلة مضنية ولكنها شائقة وتشعرك بالارتياح عندما تجد أن جهدك أتى ثماره للوطن والمواطن، وقد يسأل سائل ما دخل المواطن؟ هذا موضوع سوف أنشره في دارسة قادمة إن شاء الله عن أثر وجود الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة) في الوعي المالي للأفراد والشركات.
ورغم ما تحقق وهو أمر نفتخر به ونشكر كل من بذل جهدا فيه، بما في ذلك الهيئة العامة للاستثمار على جهودها في تذليل العقبات قدر المستطاع والعمل مع الجهات المعنية كفريق لتحقيق المنجز حسب الخطط الموضوعة فإن التحدي القادم هو الأهم والأصعب ويحتاج إلى تضافر الجهود في كل المستويات، وخطة هيئة الاستثمار تسعى لأن تصبح المملكة في الترتيب 10 في عام 2010م وهي خطة طموحة ولكنها بحاجة إلى عمل حقيقي لتحقيق تلك الطموحات، فكما قال أحد الأساتذة (أيام الجامعة): أحلم.. أحلم ثم أرجع للواقع بسرعة وأعمل ضمن حدود الواقع والممكن.
الباقي من خطوات لوصولنا للقمة هو الأصعب حيث إنها تتخطى مرحلة بناء الأساسيات إلى مراحل تدخل في الرؤية العامة وأسلوب التفكير وتجاوز البيروقراطية وتفعيل النظرة البعيدة حتى لدى بعض جهات القطاع الخاص الذي ما يزال ذا نظرة ضيقة وأنانية وفساد يضرب أطنابه وبالذات فيما يخص بعض الشركات العامة.
الرؤية: لا نزال- وهي حقيقة واقعة إلا إن كان لم يكشف عنها ولا نعلم عنها شيئا- لم نحدد شكل الاقتصاد الذي نسعى إليه خلال الخمسين سنة القادمة، وبنظرة فاحصة آمل المقارنة بدقة بين الخطة الخمسية الثامنة لوزارة الاقتصاد والتخطيط وهي الخطة الرسمية وخطة هيئة الاستثمار والتي كل منهما يتحدث عن اقتصاد مختلف عن الآخر!! وهو ما يثير علامات استفهام كثيرة لا إجابات لها حتى تاريخه؟ تناقض صارخ بين الخطتين.
أما ما يخص تفعيل النظرة البعيدة وهي مكملة للرؤية فلم يعد من المجدي العمل بأسلوب الخطط الخمسية ويجب ألا يكون ذلك. فما صلح في السابق ليس بالضرورة ينفع للمستقبل. الأمم الآن تعمل من خلال تحديد الهدف الواحد والوحيد خلال قرن وتوضع الخطط لتنفيذه والوصول إليه عبر مراحل تبدأ بمستوى أول نصف قرن ومستوى ثاني ربع قرن وثالث على مستوى عقد من الزمان، وتحدد من خلاله المهام ويستفاد بشكل سنوي ونصف سنوي وربع سنوي من التغذية الراجعة (Feed Back) فيما يخص الإنجاز أو عدمه ومسبباته والمسؤولين عنه للثواب أو العقاب.
أما فيما يتعلق بأسلوب التفكير لا يزال تقليديا والتحديات غير التقليدية تحتاج إلى تفكير غير تقليدي ومعالجات تنم عن قيادة وإصرار على تحقيق الأهداف الطموحة ولا أعتقد أن لدينا أجهزة إلا من رحم ربي بهذا التفكير. نحتاج إلى ضخ دماء شابة في شرايين الأجهزة للنهوض ومواجهة التحديات.
داء البيروقراطية وعدم المسؤولية من الإدارة الوسطى وما تحتها من مستويات بحاجة إلى معالجة حقيقية من خلال تغيير ثقافة العمل والمواطنة والتناغم بين الإنجاز للوطن وتحقيق الذات. وإذا لم نوجد هذه المعادلة (التوازن بين المصالح الشخصية ومصالح العمل) ويصبح الفرد على قناعة بأنه من دون العمل والتعب لن يحقق لا هو ولا غيره أيا كان قفزات ومناصب فلن تذهب البيروقراطية.