رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


دكتاتورية القرار الدولي

[email protected]

لم أتابع جلسات الأمم المتحدة الأخيرة في نيويورك, ولم تهمني كثيرا كلمات قادة دول العالم وخطبهم ولا مندوبيها خلالها, فهذه الهيئة الدولية "الأمم المتحدة" تحولت إلى مضيعة للوقت وهدر له بما ليس منه طائل. فالأمم المتحدة مجرد هيئة دولية شكلية معطلة ومهمشة لحساب مجلس الأمن المهيمن والمسيطر الذي بيده الحل والعقد في مصير العالم. أما هذه الهيئة الدولية فليست أكثر من تجمع لا يضر ظالما ولا ينصف مظلوما, فقراراتها شرفية لا تحمل صفة الإلزام والنفاذ لأنها قراراتها أشبه ما تكون بالشرفية, بل هي فعلا كذلك. أما مجلس الأمن صاحب الهيلمان والصولجان فبيده اتخاذ وإصدار القرارات الملزمة وأعطى لنفسه صلاحيات وفق بنود ملزمة لكل دول العالم وأخطرها وأمضاها البند السابع الشهير الذي يجيز استخدام القوة المسلحة تحت غطاء دولي. ولهذا لم تحظ جلسات الأمم المتحدة الأخيرة بحضور دولي فاعل من قبل معظم قادة وزعامات العالم, لأن الجميع ليس لديه وقت يضيعه في احتفالية ليس من ورائها طائل وإلقاء خطب كثير منها لمجرد إبراء الذمة.

في السنوات الأخيرة وخصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة بسقوط المعسكر الشرقي الذي كان قائما بزعامة الاتحاد السوفياتي الذي سقط هو الآخر وتفكك وانهار ومعه كتلته الشرقية, ظهرت أصوات دولية عديدة طالبت بإصلاح المنظمة الدولية, أي الأمم المتحدة وإعادة النظر في دور وتشكيل وصلاحيات مجلس الأمن, فالعالم انتقل إلى مرحلة وعصر جديدين بعد مرحلة القطبين والكتلتين الشرقية والغربية بما يفرض صياغة نظام دولي جديد عبر تطوير العمل الدولي وتحديثه بمزيد من المشاركة الدولية في مصير وشؤون العالم, وعدم تركها في يد خمس دول وفعليا في يد دولة واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية, التي ثبت أنها ليست مسؤولة, خصوصا في ظل الإدارة الحالية, بعد تربعها على مقعد القوة العظمى وحيدة منفردة, إلا أن دول القرار الدولي المهيمنة عليه وهي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومالكة حق النقض دون بقية الأعضاء المتداولين لعضويته, وهي الدول التي امتلكت واحتكرت التصرف في شؤون العالم كونها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وهزيمة دول المحور, مانعت وما زالت تمانع إشراك دول العالم ومنها دول إقليمية فاعلة ومؤثرة في أن تكون شريكة معها في اتخاذ القرارات الدولية المصيرية في شؤون العالم. وإذا بقي الحال على ما هو عليه رغم التغيرات العالمية الكبرى منذ انتهاء حقبة الصراع الدولي بين كتلتين, فستظل الهيئة الدولية مجرد ناد دولي للترفيه السياسي أكثر منه مؤسسة دولية تأخذ على عاتقها إدارة شؤون العالم بعدالة وتوازن ووفق قوانين دولية متوافق عليها.

الوضع الذي عليه الآن المؤسسات الدولية, خاصة مجلس الأمن بصورته الراهنة, والتي هي تعبير عن إرادة المنتصرين في حرب كونية طرفاها العالم الغربي وحده, يعبر فعلا عن صورة من صور الدكتاتورية, وآخر ما في هذه الدكتاتورية أنها تؤثر في كل دول العالم وتمارس ضدها سياسة القمع والهيمنة على قرارها السياسي. والغريب أن الغرب وثلاثا من دوله تهيمن على مجلس الأمن تنعق صباح مساء بمطالبتها بقية دول العالم بالممارسة الديمقراطية مع شعوبها, بينما هي تمارس بالفعل دكتاتورية أشمل على العالم كله من خلال مجلس الأمن المسيطرة عليه سيطرة كاملة. فمجلس الأمن بصياغته الحالية من تمليك خمس دول فقط حق العضوية الدائمة والكاملة مع صلاحيات لا تعطى لبقية الدول, المشاركة فيه بالتناوب كل عامين, كحق النقض الذي يتيح لدولة واحدة منع صدور قرار دولي حتى ولو حصل على الغالبية المطلقة فيه, يعكس النمط الدكتاتوري الممارس في مجلس الأمن ضد بقية دول العالم, فكم من القرارات العادلة فيما يخص القضية الفلسطينية, على سبيل المثال, وبما يعكس هذه الدكتاتورية الدولية الممارسة من خلال مجلس الأمن نقضتها دولة واحدة هي الولايات المتحدة مع أنها حصلت على موافقة بقية أعضائه فإذا لم تكن هذه دكتاتورية فما هي الدكتاتورية إذن؟!
إن مجلس الأمن بوضعه الحالي هو عبارة عن مجلس وصاية دولية ورث من صراع انتهى وزالت آثاره, وجاء تشكيله بعد الحرب العالمية الثانية وما خلفته من دمار واسع وملايين القتلى لإعطاء دول الحلفاء المنتصرين بالحرب حق الوصاية على بقية دول العالم بما فيها الدول التي لم تشارك في تلك الحرب وليست مسؤولة عنها أصلا. وفي زمن الحرب الباردة وتأزم العلاقة بين الغرب والشرق كان هناك توازن في عمل مجلس الأمن بحيث لم يستطع طرف فرض إرادته على قرارات المجلس, فعلى أسوأ الحال, لم يكن هناك طرف يستطيع استغلال مجلس الأمن لخدمة سياسته, كما هو عليه الحال الآن.
المنتظر في المرحلة القادمة هو أن تقود الكتل الإقليمية الكبرى كمنظمة العالم الإسلامي والجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية ومنظمة دول آسيان الآسيوية وتجمع دول عدم الانحياز المطالبة الجدية بتغير تشكيل المؤسسات الدولية المهيمن عليها من قبل الدول الغربية في الأساس ومعها الدول الصناعية الكبرى, فهذه الدول هي المستفيدة من بقاء الوضع الدولي على ما هو عليه الآن. فالعالم اليوم تغير ولا بد أيضا أن تتغير منهجية إدارته وفق رؤية المشاركة الأوسع في صياغة القرارات الدولية وكسر احتكار دول معدودة له, ونقله من ممارسة الدكتاتورية على القرار الدولي إلى ديمقراطية دولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي