يمكن أن تكون لدينا سياسة نقدية مستقلة

[email protected]
قرار مؤسسة النقد بعدم تخفيض معدل الفائدة على الريال بعد قيام الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بخفض الفائدة على الدولار على خلاف ما كان متوقعا، أثار الكثير من النقاش حول فاعلية السياسة النقدية في المملكة، حيث رأى البعض أن ضرورة اقتفاء أثر البنك المركز الأمريكي فيما يتعلق بمعدلات الفائدة، نتيجة ارتباط الريال بالدولار، يعني تلقائيا عدم وجود أي إمكانية لتنفيذ سياسة نقدية فاعلة مستقلة، وأن السياسة المالية وحدها المتاحة لصانع القرار الاقتصادي للتأثير في النشاط الاقتصادي في المملكة.
ولعل من المناسب الإشارة هنا إلى أن السياسة النقدية يقصد بها التأثير في النشاط الاقتصادي من خلال تغيير حجم المعروض النقدي أو السيولة في الاقتصاد، وفاعليتها تقاس بمدى امتلاك السلطة النقدية ما يكفي من الوسائل التي تمكنها من ذلك، أما معدلات الفائدة فإنها لا تعدو كونها إحدى الأدوات التي تستخدمها السلطة النقدية للتأثير في معدلات نمو السيولة، وليست بأي حال الأداة الوحيدة المتاحة. فالسلطة النقدية في المملكة، أو مؤسسة النقد، تمتلك أدوات أخرى بخلاف معدلات الفائدة للتحكم في معدلات نمو السيولة المحلية، فبيدها تغيير مستوى الاحتياط القانوني أو نسبة الودائع البنكية التي يجب الاحتفاظ بها لدى مؤسسة النقد أو البنك المركزي، ما يؤثر في قدرة البنوك على الإقراض، وتستطيع المؤسسة من خلال عمليات السوق المفتوحة، أو عمليات بيع وشراء السندات الحكومية، أن تزيد السيولة المحلية من خلال إعادة شراء تلك السندات أو الحد منها من خلال إصدار المزيد منها. بل إن هناك أداة مالية متوافرة للسلطة النقدية في المملكة، ليست حتى متاحة للسلطات النقدية في دول أخرى عديدة، وهي إمكانية التأثير في السيولة المحلية من خلال تغيير نسبة ملكية الدولة في الشركات القائمة، فمن خلال بيع جزء مما تملكه الدولة من أسهم تلك الشركات، يمكن امتصاص فائض السيولة والحد من أي نمو مبالغ فيه في معدلات نموها، ما يضمن نموها وفق معدلات تتناسب مع معدلات النمو الاقتصادي ولا تتسبب في زيادة الضغوط التضخمية في الاقتصاد المحلي.
بل إنني أستطيع القول، إنه بالنسبة لنا في المملكة، فإن عدم قدرة مؤسسة النقد على تحديد معدلات الفائدة بصورة مستقلة عن معدلات الفائدة على الدولار ليس مؤثرا ولا حاسما في تحديد كفاءة وفاعلية السياسة النقدية. فجزء مهم من الائتمان المصرفي قروض شخصية معدلات الفائدة الفعلية عليها تزيد في بعض الأحيان على ضعف معدلات الفائدة على الريال، ولا تتماشي معدلاتها بالضرورة مع اتجاهات الفائدة على الريال ولا تتأثر بها. وهناك ائتمان خارج القطاع المصرفي، يتمثل في إقراض شركات التقسيط ووكالات السيارات ونحوها، قدرت إحدى الدراسات أخيرا أن حجمه قد يزيد على 100 مليار ريال، وهو ائتمان غير معني على الإطلاق بمعدلات الفائدة على الريال، فمعدلات فائدته الفعلية تصل أحيانا إلى ما يزيد على 30 في المائة سنويا، أو ما يعادل ستة أضعاف الفائدة على الريال حاليا. وفي ظل هذا الواقع، فإن رفع أو تخفيض الفائدة على الريال بربع نقطة أو نصفها لن يؤثر في معدلات الفائدة على هذه النوعية من الإقراض ولن يغير من حجم الطلب عليها، ما يحد بالتالي من أهمية التغيرات التي تجريها مؤسسة النقد في معدلات الفائدة على عرض النقود في الاقتصاد السعودي، ويزيد من أهمية الأدوات الأخرى المتاحة للمؤسسة، فهي وإن لم تستطع تحديد أسعار الفائدة على الريال باستقلالية عن معدلاتها على الدولار، فإنها تملك أدوات أخرى، تفوقها في الأهمية، تستطيع بها التأثير في حجم السيولة المحلية.
من هذا يتضح أن فاعلية السياسة النقدية لا تقاس بقدرة السلطة النقدية على تحديد معدل الفائدة، وإنما تقاس بقدرتها على التحكم في معدلات نمو السيولة في الاقتصاد، دون اعتبار لكون الأداة المستخدمة لتحقيق ذلك معدل الفائدة أو غيرها من أدوات السياسة النقدية. وأننا لا نعاني في الواقع من مشكلة عدم قدرتنا على تنفيذ سياسة نقدية فاعلة مستقلة، وإنما نعاني من مشكلة عدم تبنينا لسياسة نقدية ملائمة، كنا نملك ما يكفي من الأدوات لتنفيذها، ما تسبب في حدوث اختلالات هائلة في اقتصادنا المحلي جرفته بعيدا عن مساره الطبيعي، حيث ظلت السيولة المحلية لما يزيد على أربع سنوات تنمو بمعدلات عالية غير طبيعية، دون أن تتدخل السلطة النقدية أو المالية للحد منها، رغم امتلاكها لأدوات عديدة تمكنها من ذلك، ما تسبب في تضخم مبالغ فيه في سوق الأسهم، وبعد انهيار السوق وتوقف تدفق السيولة إليها، عانى اقتصادنا من سيولة فائضة تسببت في الضغط على المستوى العام للأسعار، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي