العودة إلى نظرية ذروة النفط

العودة إلى نظرية ذروة النفط

[email protected]

تقرير التوقعات متوسطة الأمد بالنسبة للسوق النفطية حتى العام 2012 الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة في الفترة الأخيرة وتوقع احتمال حدوث أزمة إمدادات في غضون خمس سنوات بسبب تجاوز الطلب للعرض، أسهم بصورة محددة في إعادة بعث الجدل عن نظرية ذروة النفط التي تتوقع أن مشارف النهاية لعصر النفط قد بدأت فعلا.
النظرية ليست جديدة، وتجد أفضل شاهد لها على توقعات هوبرت كنج الجيولوجي الأمريكي الذي توقع أن الإنتاج النفطي الأمريكي المحلي سيصل إلى ذروته ويبدأ بعدها في الانحدار، ما يفرض على الولايات المتحدة البحث عن بدائل لتلبية احتياجات استهلاكها المتنامية. تقديرات كنج كانت تقوم على وصول هذه المرحلة في أواخر ستينيات القرن الماضي، وهو ما حدث فعلا، لكن بعد ذلك بعام واحد فقط.
منذ ذلك الوقت تتوالى الدراسات والتوقعات وكلها تنطلق من حقيقة أن عصر الاكتشافات النفطية الكبرى قد انتهى تقريبا، إذ لم يتم اكتشاف حقل ضخم من النوع الذي يطلق عليه "الفيل" لقرابة ثلاثة عقود من الزمان، وأن معظم الاكتشافات إنما تقوم بالتعويض عما تم استهلاكه فعلا.
لكن، وبالقدر نفسه فإن مسيرة الإنتاج والاستهلاك توضح أنه تم استهلاك أكثر مما كانت تتوقع هذه الدراسات وجوده. وربما يمثل تقرير نادي روما الشهير قبل أكثر من 40 عاما خير نموذج. فذاك التقرير، الذي توافرت له أفضل العقول مدعومة بخبرات سياسية توقع أيضا الوصول إلى ذروة النفط، لكن واقع الحال ومنذ ذلك التاريخ يشير إلى أن العالم استمر في استهلاك النفط بمعدلات متزايدة في الوقت الذي لا يزال فيه هناك احتياطي نفطي مؤكد يزيد على تريليون برميل ويتجاوز هذا الرقم إجمالي ما استهلك من قبل.
يمكن القفز إلى خلاصة عدم دقة التوقعات والأرقام التي تستند إليها، لكن واقع الحال يشير إلى وجود جزء من الحقيقة في الجانبين. فمن الثابت أن حجم الاستهلاك في تزايد، خاصة مع تحسن أوضاع العديد من الدول النامية ودخولها نادي المستهلكين بصورة أكبر مع تحسن أوضاعها الاقتصادية، وما هو متاح من معلومات يوضح أن الطلب في الدول النامية يمثل نسبة رئيسية من حالة النمو العام في الطلب على النفط.
لكن من الناحية الأخرى، فهناك حقيقة أنه لم تحدث اكتشافات نفطية كبرى خلال العقود الثلاثة الأخيرة، الأمر الذي يشير إلى وجود مشكلة ما في مكان ما، لكن هذا لا يعني تلقائيا عدم وجود احتياطيات نفطية بصورة ما. فالاحتياطيات النفطية أصبحت توجد في مناطق أعمق مثل قاع المحيطات والخلجان، أو في مناطق موحشة مثل سيبيريا أو بعض المناطق النائية في آسيا وإفريقيا، الأمر الذي يتطلب تقنية أكثر قدرة وفاعلية وموارد استثمارية أفضل، إلى جانب مقدرة على الصبر على مرور الوقت حتى يمكن تحقيق عائد من هذه الاستثمارات.
الوضع الحالي يماثل حالة العميان مع الفيل، فالكل يلمسه من جانب ويعتقد أن الجزء الذي تلمسه يمثل شكل الفيل الكلي. سوق الطاقة من التعقيد بحيث لا يمكن اختزالها في رؤية جهة واحدة يمكنها التصرف على أساس أنها تملك كل الحقيقة، رغم وجود جزء من تلك الحقيقة لديها في واقع الأمر.
تقرير وكالة الطاقة وتوقعاتها عن احتمال حدوث أزمة إمدادات نفطية في غضون خمس سنوات، يكتسب أهمية أكثر من تقرير نادي روما أو الدراسات التي تقوم بها بعض مناطق الأبحاث الأكاديمية مثلا، لأن هذه هي الجهة التي يفترض بها أن تنسق سياسات وجهود المستهلكين، وبالتالي تتوافر لها الآلية البحثية من ناحية والإرادة السياسية من ناحية أخرى لتحقيق أهدافها. الوكالة قامت في الأساس أن تكون مركز مواجهة لدول منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك)، كما كان في فكر مهندسها هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق.
لكن واقع الحال فرض تجاوز حالة المواجهات تلك، وتأتي الآن تطورات وضع الطاقة العالمي لتفرض نوعا من التنسيق والتعاون، لا من أجل الهدف الآني وهو تحقيق استقرار في السوق، مع أهميته، لكن لتوفير أرضية ومفاهيم مشتركة خاصة وعالمية السوق تتأكد كل يوم. فلم تعد الدول الصناعية الرئيسية مثلا هي التي تؤثر في وضع الإمدادات وسعر البرميل، وإنما لدول مثل البرازيل، الهند، والصين دور أكثر حيوية لسبب بسيط يتعلق باحتياجاتها النفطية المتنامية.
هذه متغيرات لا بد من وضعها في الاعتبار، ومنها أيضا تزايد الوعي البيئي والحاجة إلى الاهتمام بهذا الجانب من خلال تحسين فاعلية استخدام الوسائل التي تستخدم الطاقة الأحفورية، ويبدو لافتا للنظر تقرير الدراسة الأخيرة التي استغرقت قرابة عامين وأشرف عليها لي رايموند رئيس مجلس إدارة "إكسون" سابقا، التي وضعت على رأس توصياتها تحسين فاعلية استهلاك جالون الوقود عبر زيادة قدرة ماكينات السيارات على قطع مسافات أطول. وعليه فنقطة البداية تتمثل في جمع كل هذه الجهود في ملتقى واحد.

الأكثر قراءة