0.2 % من الناتج العربي معدل الإنفاق على البحث والتطوير
دعت دراسة متخصصة الدول العربية إلى إيجاد مقاربة متعدّدة الأبعاد من أجل تشجيع مشاريع الأعمال المبتدئة الجديدة وجني المكاسب الاقتصادية الهائلة التي تولّدها المبادرات الفردية. وعدت الدراسة أحد أكبر معوقات المبادرة الفردية في المنطقة العربية هو التدنّي الكبير في مستوى الإنفاق، حيث يبلغ معدّل الإنفاق على البحث والتطوير في البلدان العربية بـ 0.2 في المائة من الناتج المحليّ الإجمالي، مقارنةً بـ 0.6 في المائة في تركيا، و1.15 في المائة في البرازيل، و2.3 في المائة في بلدان منظمة التعاون والإنماء الاقتصادي، و2.8 في المائة في الولايات المتحدة، و3.1 في المائة في اليابان. زد على ذلك ما يواجهه أصحاب المبادرات الراغبين في الانطلاق في مشاريع جديدة من معوقات إدارية ومالية عدّة وتكاليف مرتفعة. ففي أحد البلدان العربية مثلاً، تمّ إجراء دراسة استطلاعية حدّدت أبرز العوامل الإشكالية في تأسيس الأعمال، وهي فرص الحصول على التمويل، والإجراءات البيروقراطية والنقص في القوى العاملة المتعلّمة والضرائب. ويذكر في هذا الإطار أنّ تأسيس مشروع أعمال يستغرق في البلد المشار إليه 36 يوماً، أي 1.5 ضعف المعدّل في بلدان منظمة التعاون والإنماء الاقتصادي، والحدّ الأدنى لرأس المال المطلوب هو 25 مرّة معدّل الدخل الفردي في ذلك البلد، مقابل 44 في المائة من الدخل الفردي في بلدان منظمة التعاون والإنماء الاقتصادي.
وأكد ت الدراسة التي أصدرتها بوز ألن هاملتون و شركة استشارات إدارية عالمية ورئيسها أنّ رعاية مشاريع الأعمال المبتدئة وتشجيعها يؤدّيان وقعاً إيجابياً كبيراً على الناتج المحلي الإجمالي، مشددة على أن المبادرة الفردية محرّك رئيسي للنمو الاقتصادي واستحداث فرص عمل جديدة، خصوصاً في البلدان حيث لا يزال النشاط الفردي محدودا.
وأوضح أنه مع تطوّر مشاريع الأعمال المبتدئة وتحوّلها إلى شركات صغيرة أو متوسّطة، تصبح مساهمتها رئيسية في العمالة والناتج المحلي الإجمالي. فعلى سبيل المثال، تشكّل مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة في إجمالي العمالة 70 في المائة في الاتحاد الأوروبي، و49 في المائة في الولايات المتحدة، فضلاً عن مساهمتها في 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في فرنسا و55 في المائة في إندونيسيا و40 في المائة في الولايات المتحدة. يذكر أنّ مشاريع الأعمال المبتدئة لا تزال محدودة النشاط في الشرق الأوسط لسوء الحظ، حتى إنّ البلدان التي تتوافّر فيها الشروط اللازمة، كالإمارات، لا تزال في المراتب الدنيا على المستوى الدولي علماً بأنّ النسبة المئوية للسكّان ذوي المبادرة الفردية في الإمارات مثلاً لا تتعدّى 2.7 في المائة، مقارنةً بـ 19.3 في المائة في إندونيسيا، و10 في المائة في الولايات المتحدة، و6.1 في المائة في تركيا، و5.3 في المائة في جنوب إفريقيا.
وتلقي دراسة بوز ألن هاملتون الضوء على ثلاثة عناصر رئيسية من شأنها إيجاد الظروف الملائمة لقيام مشاريع الأعمال المبتدئة. وهي أولاً، وقبل كلّ شيء، توافّر قاعدة كبيرة من أصحاب المبادرات الفردية وانتشار ثقافة المبادرة الفردية. ثانياً، قيام نشاطات وأفكار ابتكارية تشمل تحديد فرص السوق وابتكار مفاهيم جديدة. وثالثاً توفّر دعم فعليّ للمشاريع المبتدئة.
وحددت الدراسة عنصرين من شأنهما تشجيع أصحاب المبادرة الفردية، فأكّد أنّ "الاحترام والتقدير في المجتمع شرطان لازمان لقيام ثقافة المبادرة الفردية. ثانياً يجب إنماء ثقافة المبادرة الفردية في المدارس". أمّا في تعزيز الأفكار والنشاطات الابتكارية، فيقول "يمكن تحديد احتياجات السوق من خلال التعاون والتنسيق بين المسؤولين في الحكومة والقطاع الخاص وقطاع التعليم، كما أنّ قيام علاقات وثيقة بين الجامعات وقطاع الأعمال والقطاع المالي يشجّع على ابتكار التقنيات الجديدة وتسويقها. وتؤدّي الحكومات دوراً محورياً في تعزيز البحث والتطوير والأفكار الابتكارية".
ويبقى السبيل الأفضل إلى دعم المشاريع المبتدئة الجديدة، وفق الدراسة المتخصصة ، إيجاد بيئة أعمال مؤاتية بما في ذلك توفير حوافز ضريبية وتنظيم الإجراءات وتبسيطها وتخفيف المعوقات الإجرائية الروتينية والبيروقراطية، إضافةً إلى تأمين التمويل والدعم للمشاريع المبتدئة بمختلف الوسائل المتاحة عبر القطاع العام أو الخاص أو بالشراكة بينهما.
وختم الدراسة بطرح مقاربة متعدّدة الأبعاد بهدف حفز المبادرة الفردية، ومن عناصر الاستراتيجية الشاملة هذه، التعاون بين القطاع العام والخاص وأية قطاعات متطوّعة أخرى من أجل توفير الظروف المؤاتية للانطلاق في مشاريع جديدة والحرص على تقديم الحكومة الدعم اللازم لهذا النوع من المشاريع. ولا بدّ من تنسيق الخطط والبرامج التمويلية بين القطاع العام والقطاع الخاص على المستويين الوطني والإجمالي لمساعدة أصحاب المبادرات على تأمين الحدّ الأقصى الممكن من رأس المال واعتماد برامج تمويلية جديدة لسدّ أية ثغرات. من هنا يجب تنسيق خدمات تطوير الأعمال بشكل أفضل، العام منها والخاص، وتحسينها، مع العمل على وضع برامج جديدة لسدّ الثغرات وتشجيع أصحاب المبادرات على استخدامها. ودور الحكومة أساسي في جمع الخدمات وتنظيمها في مركز موحّد (تطبيق نظام الشباك الواحد) بما يمكّن أصحاب المبادرات من تطوير أفكارهم الجديدة.
في الإطار نفسه، يجب أن تعمل الحكومات مع القطاع العام والخاص وأية قطاعات متطوّعة أخرى، بما يضمن توّفر البئية والظروف المؤاتية لخوض مشاريع أعمال جديدة وتقديم الحكومة الحوافز اللازمة للمشاريع المبتدئة.