كل يوم في حياتنا... يجب أن يكون يوم للوطن
لماذا يحب الإنسان بلدا آخر غير بلده أو يعجب به أو يستقر في ديار غير دياره؟ وقد يتطور الموضوع إلى أن يصبح معول هدم لبلده وليس معول بناء كما يفترض! وكيف نفسر وجود الملايين من المهاجرين العرب في كل أصقاع المعمورة؟ وهنا أتذكر حادثة ذات دلالة واضحة حدثت في قرية صغيرة لا يوجد فيها إلا عدد قليل من المتقاعدين في إحدى الدول الأوروبية، حتى أن الفندق الذي نزلنا فيه فُتح لنا فقط ولمدة أسبوعين لحين انتهاء المناسبة وكان علينا حجزه بشكل مسبق حتى يتم تجهيزه وإعادة الحياة لأجزائه. وبعد يوم طويل كنت أتمشى في حديقة قريبة من الفندق، وإذا برجل يبيع على عربة صغيرة سندويتشات وبعض السكريات لهؤلاء المتقاعدين وبعض العائلات الصغيرة وعندما اقتربت وأنا أخشى من نفسي ألا أستطيع التحدث معه، حيث أن أهل هذه البلدة لا يتحدثون اللغة الإنجليزية وأنا لا أتقن غيرها، ولكن وبمجرد وصولي إليه إذا به يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم سأل: الأخ عربي؟ وكان سؤالي المباشر لهذا العربي المهاجر في هذه البقعة من العالم: لماذا أنت في هذه القرية الصغيرة شبه جامدة الحركة الكئيبة؟ قال وماذا نفعت كثرة الحركة في بلدي العربي الكبير؟ إلا زيادة في الفقر يوما بعد يوم للسواد الأعظم وزيادة الأرصدة للقلة القليلة!
الإيجابيات والسلبيات التي نعيشها كثيرة وهي دليل على أن هناك حراكا كبيرا وهو قد يكون دلالة تطور وتقدم رغم أنه ليس بالضرورة. ودليل هذا الحراك الكبير أن الكل صار يتحدث عن التضخم، وأسواق المال، وأسعار الفائدة، والسعودة وتأثيرها على سوق العمل والإنتاج، وشح المياه وما تأثير ذلك إذا ما حدث؟ وكلها كانت حتى وقت قريب أمورا تخصصية بحتة لا يعرفها إلا الجهات ذات العلاقة وبعض الدارسين. نعم كانت ولا تزال ضريبة الوصول إلى هذا الوعي عالية جداً بكل أسف، وكان يمكن لنا أن نتعلمها من تجارب غيرنا بدلا من الانتظار حتى نمر بالتجربة نفسها! وقد كان إلى عهد قريب جداً الأستاذ (المدرس) يعتبر هو عالم القرية وإمام الجامع ومرشد الناس وفي بعض الأحيان طبيبهم. فيما اليوم أصبح الشباب السعودي اليوم هو من يمثلنا على كل القنوات من دين ورياضة وفن وتحليل مالي ومصممي أزياء ونشرات أخبار وفتاوى يتحدث وينتقد ويمتدح ويحلل، رغم أنهم لا يزالون يرغبون في أن يكونوا جزءا من آليات اتخاذ القرار لأن الشباب هم المعنيون بهذه القرارات التي تصدر كل يوم لا يزالون مغيبين عنها! إذن هناك صورة مشرقة لابد من التحدث عنها وإبرازها، وصور يجب الاستمرار في العمل الجاد الحقيقي للتغلب عليها وتصحيحها قبل فوات الأوان.
نحتفل اليوم باليوم الوطني السابع والسبعين ومع ذلك لا يزال لدينا من يحرم هذا الاحتفال ويرى فيه تقليدا للغرب والكفرة الملحدين كما تحرم معظم الأشياء في بداياتها!
وطننا في حاجة إلينا وكل يوم من أيام حياتنا يجب أن يكون للعمل والإنتاج القادر على جعل التقدم والتطور مستمرا حتى تحقيق الأهداف بدلا من أن نكون معوقا له حيث إن يوما واحدا فقط أصبح يفرق في حياه الأمة وفي إمكانية الفوز بالسباق وكل الأمم تسابق الزمن للوصول إلى القمة بأي ثمن، حيث لم يعد هناك مكان للضعفاء والمتخاذلين. وقد شاهدت يوم الاحتفال بيوم الوطن كيف أن الشباب الذين هم عماد الوطن يقفون عائقا أمامه من خلال التوقف في وسط التقاطعات ومنتصف الشوارع للرقص وهز الوسط وأعلام البلد مربوطة على خصورهم وكأن هذا هو الوطن وهذه هي الطريقة في خدمة الوطن وتحقيق أهدافه والاحتفاء به. يجب ألا نوقف عجلة التقدم مهما كانت المعوقات من تصرفات تصدر سواء من جهات رسمية لا تزال نائمة أو من شرائح محددة داخل المجتمع أو من فئة معينة محسوبة على تيار أو توجه أو كانت محسوبة على جهة معينة تغيرت قناعتها الآن أو انتهى دورهم الذي قاموا به لتلك الجهة ويريدون تغيير التابعين أيضا بالسهولة نفسها التي جندتهم لها في السابق. كل ذلك يجب ألا يكون سببا في قتل روح المواطنة داخل المواطن مهما كانت الجهة ومهما كانت الصلاحيات الممنوحة لها ومهما كان سوء التصرف! ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح.
الذي نشاهده أن شريحة لا يستهان بها من المواطنين لم تعد جاهلة وتعرف حقوقها جيدا وتعرف واجباتها أيضا. بل أصبح لديها وعي كامل بحقوقها ويصعب عليها التنازل عنها وهي على استعداد للتضحية في سبيل الحصول على حقوقها خصوصا إذا كانت تلتزم بواجباتها، وقد شاهدنا الكثير من المبادرات التي تصب في هذا الاتجاه ونفرح كثيرا عندما نتلقاها من وسائل الإعلام ولكن لا تلبث تلك المبادرات أن توأد في مهدها، بسبب شريحة أنانية لا تحب إلا نفسها ولا ترغب إلا في تعظيم مصالحها على حساب الوطن وأهل الوطن. وحتى اليوم ورغم الحراك الكبير الذي تشهده المملكة لا أجد أن قرارا واحدا تم ونفذ بالطريقة التي صدر بها نفسها! والسؤال الكبير لماذا؟ هل القرار كان خطأ منذ البداية؟ أم أن المشكلة في التنفيذ؟ أم المشكلة في طريقة استقبال القرار من أصحاب المصالح المتعارضة؟ هل هناك مخربون؟ لماذا خطوة للأمام وخطوتان للوراء ولكن نيولوك؟ أسئلة كبيرة في حاجة إلى توضيح ودراسة بدلا من الشكوى لمجرد التنفيس والقول أنا قلنا وتحدثنا! يجب أن تكون لدينا آليات واضحة لصيانة الحقوق حتى لو كان الخصم جهة رسمية وكذلك يجب أن يعرف الجميع أن هذه الحقوق تترتب عليها واجبات يجب القيام بها.
السؤال الكبير: هل البلد على استعداد لخسارة أبنائه المخلصين بسبب تصرفات قد لا تتعدى مستويات ثقافة المنفذ لها وطريقة تعاطيه من القرارات وتبنيه معتقدات غرست في رأسه ولا ذنب للآخرين بها وقد لا يكون لنفسه ذنب فيها فهو في حاجة إلى علاج ومعالجة، الجواب في ظني لا لأن خسارة البلد واحدا فقط من أبنائه المخلصين تعنى شيئا واحدا وهو أن غيره من الانتهازيين من سيصبح في مراكز القرار والتنفيذ وبالتالي النتيجة تصبح معروفة بالضرورة، وكل عام والوطن بخير.