من أجل أن تلعب المنتديات الاقتصادية دورها كمرجعية فكرية اقتصادية

[email protected]

تنعم بلادنا اليوم بعدة منتديات اقتصادية متميزة يتفرد كل منها بمنهجية خاصة به، وتعمل متكاملة في تحديد القضايا الساخنة والمهمة وذات الأولوية، ومن ثم التعامل معها لإبرازها على السطح وإثارة حوار اقتصادي ناضج حيالها، ورفع درجة الوعي بتفاصيلها، مما ينعكس إيجابا على المتحاورين والمشاركين والقراء والمشاهدين، إذ تتشكل لدى كل هؤلاء معرفة جديدة تؤصل لمواقف أكثر عقلانية وواقعية تنعكس بالمحصلة سلوكا مرغوبا ومطلوبا، مما يجعلنا أكثر قدرة على التعامل مع قضايانا الاقتصادية، بما يمكننا من اغتنام الفرص المتاحة وتجنب المخاطر المحتملة إضافة لإيجاد الفرص واقتناصها.
البعض وللأسف الشديد لا يرى نجاح المنتديات إلا في عدد التوصيات التي يخرج بها هذا المنتدى أو ذاك، وكم أخذ منها طريقه إلى حيز التنفيذ، ولذلك تجدهم دائما ما يتذمرون من المؤتمرات والمنتديات وورش العمل والنقاش، على اعتبار أن كل هذه الأنشطة ظواهر كلامية لا تسمن ولا تغني من جوع، متناسين أن التوصيات ما هي إلا إحدى النتائج التي يمكن أن تخرج بها بعض المنتديات، وأن تلك التوصيات ليست المعيار الوحيد لقياس مدى نجاح المنتدى من فشله، وإن كانت معيارا يمكن استخدامه إضافة للمعايير الأخرى التي تحدد مدى نجاح المنتديات.
ولو أننا جعلنا نجاح أي منتدى يقاس بعدد توصياته التي تأخذ طريقها إلى حيز التطبيق لضيقنا واسعا نتيجة لاستنقاصنا لكل الفوائد التي تحققها المنتديات من ناحية، إضافة لكوننا سنحكم على المنتديات بالفشل لصعوبة تتبع تنفيذ تلك التوصيات من ناحية أخرى، فها هو منتدى الرياض الاقتصادي – وهو المنتدى الذي تنظمه الغرفة التجارية والصناعية بالرياض - منتدى يخلص إلى كم لا بأس به من التوصيات التي تأخذ طريقها إلى مجلس الاقتصاد الأعلى لدراستها والاستفادة منها في صناعة قرارات أكثر جودة وأقرب للصواب منها للخطأ، وبرغم ذلك فإن تلك التوصيات لا يمكن تتبع أثرها بدقة في نوعية القرارات الصادرة، إذ إن القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء أو إحدى وزارات الدولة ما هي إلا محصلة معطيات متعددة تدخل تلك التوصيات في صناعتها واتخاذها إضافة لأسباب أخرى جوهرية هي الأخرى دون شك.
وباعتقادي أن المنتديات يمكن قياس نجاحها من خلال التعرف على أهدافها التي أسست من أجلها، ومن خلال التعرف على مدى إيجابية الأثر الموازي لتلك المنتديات، وكوني غير ملم بأهداف كل منتدى على حدة، فإني سأتحدث عن الأهداف التي تشترك فيها المنتديات الاقتصادية كافة، والتي يمكن اعتماد النجاح في تحقيقها معايير لتحديد نجاح كل منتدى من فشله، ومن تلك الأهداف قدرتها على إثارة الاهتمام بالقضايا الاقتصادية المهمة والملحة وذات الأولوية، وقدرتها على إبراز مثل تلك القضايا على السطح، وتطوير حوارات فكرية صحية بين أطراف تلك القضايا الاقتصادية (القطاعين العام والخاص والمستفيدين وذوي الصلة إضافة للقطاع غير الربحي) بما يرفع درجة الوعي بماهيتها وأهميتها وأسبابها وكيفية معالجتها، وما يترتب على التقاعس في التصدي لها من سلبيات، وما يترتب حال تركيز الجهود لمعالجتها من إيجابيات.
ومن هذه الأهداف قدرة المنتديات على استقطاب الكفاءات المحلية والعالمية والتأسيس لحوارات فكرية راقية تعتمد الموضوعية وترفض الرؤى الشخصية المنحازة المسبقة، حوارات تحقق الاستفادة من الخبرات الوطنية المعطلة وتحقق التبادل المعرفي الذي يطور الإمكانات التفكيرية لدى الأكاديميين والممارسين السعوديين للتبصر في قضايانا الاقتصادية ولابتكار الأفكار الرائدة التي يمكن تحويلها لحلول واقعية من خلال تطبيقها بصورة إبداعية متميزة.
ولكي أوضح تلك النقطة بصورة أكبر، أقول إنني شاركت في أكثر من منتدى وخرجت بعد كل مشاركة بمعارف علمية جديدة، ومعارف مهمة حول علاقة عملي بالأعمال في المؤسسات الأخرى ذات الصلة، هذه المعارف شكلت في ذهني مواقف جديدة جعلتني أكثر تفهما للكثير من الأمور، مما جعل لها أكبر الأثر في بناء سلوكيات إيجابية ساهمت في تطوير العمل الذي أقوم عليه لصالح المؤسسة التي أعمل بها ولصالح المستفيدين ولصالح العاملين معي، ولصالح الوطن والمجتمع بالمحصلة، أقول كل ذلك كان استفادة رغم أني لم أحمل معي توصية يجب أن تتحول إلى قرار، وما كان هذا ليكون لولا التبادل المعرفي مع المشاركين من داخل وخارج البلاد.
ختاما أعتقد أن من أهم مؤشرات نجاح المنتديات تحقيقها الغاية الرئيسية التي يصبو لها كل منتدى، وهي أن تصبح تلك المنتديات كيانات تشكل مرجعية فكرية اقتصادية قادرة على استقطاب الكفاءات الوطنية العاملة والمتقاعدة، كيانات فكرية يستعين بها العاملون في القطاعين العام والخاص والقطاع غير الربحي عندما تستشكل عليهم أي قضية اقتصادية، كيانات فكرية يستعين بها الإعلاميون عندما يبحثون عمن يعلق على موضوع أو قرار اقتصادي ساخن أو خبر اقتصادي صادر أو حدث اقتصادي فاعل، وكلي ثقة بأن القائمين على المنتديات الاقتصادية في بلادنا يضعون تلك الغاية نصب أعينهم، وما منتدى دافوس الاقتصادي ذائع الصيت عنا ببعيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي