رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التقنية والتغيرات الاجتماعية

[email protected]

لا شك أن تقنية الاتصالات أحدثت ثورة معلوماتية كبيرة في عالم اليوم كسرت خلالها الحواجز التي كانت تحول بين تواصل الناس مع بعضهم البعض، وتفاهمهم وتناقلهم المعلومات، والأخبار، والمعارف بسرعة فائقة. ويمثل الجوال إحدى التقنيات التي مارست هذا الدور بشكل واضح، حيث إن الفرد منا يحمل آلة اتصال معه في جيبه ويتلقى من خلالها الكثير من المعلومات، والأخبار أينما كان، وفي أي وضع هو.
ويكثر استخدام وتوظيف الجوال، في المواسم والمناسبات السارة، وغير السارة، حيث يتناول الناس التهاني والتبريكات في المناسبات السارة ويتبادلون التعازي، والمساندة المعنوية في حالة الوفيات، والظروف الصعبة التي قد يمر بها أي فرد تجمعنا به قرابة أو صداقة أو معرفة. مع دخول رمضان وفي كل عام منذ أن دخل الجوال إلى حياة الناس أصبح وسيلة فاعلة لتبادل التهاني، والتبريكات بين الأفراد، أو بين المؤسسات، والشركات، والبنوك، وزبائنها، وتتم هذه العملية إما من خلال المكالمات، أو من خلال الرسائل القصيرة. ولا شك أن مثل هذا الصنيع يمثل تحولاً في حياة الناس، وسلوكهم، ويسهم في تذكير بعضهم ببعض مما يؤدي في النهاية إلى التماسك بين الأفراد والأسر ومن ثم بين أبناء المجتمع بصورة عامة.
وما من شك أن هذه الوسيلة في الإخبار وسيلة فاعلة حيث السرعة، وقلة التكلفة إضافة إلى ربط الناس بأمور مهمة وأساسية بدلاً من تحويل هذه التقنية إلى وسيلة لهو وتناول لمعلومات لا تسمن ولا تغني من جوع كما هو الحال في رسائل أخرى تلقيتها حول استقبال النكات وما أشبه ذلك من ممارسات تمثل توظيفاً سيئاً للتقنية.
قمت بمراجعة شاملة لجميع الرسائل التي وصلتني ولا تزال تتوارد في كل يوم ومنذ بداية شهر رمضان المبارك فألفيت أن هذه الرسائل والتي تبلغ المئات تتوزع على مجموعة من المجالات، حيث إن الجزء الأكبر منها يمثل تهاني وتبريكات بدخول الشهر الكريم، مما يؤكد عمق المشاعر وحميميتها بين أبناء المجتمع، إضافة إلى عدد آخر يتوزع في مجالات أخرى، من أهمها أخبار حول محاضرات تعقد هنا أو هناك سواء في مسجد أو جمعية. وبالتمعن في عناوين هذه المحاضرات نجد أنها إما أن تكون مرتبطة بالعبادات كالصلاة والصيام وقراءة القرآن - وهذا هو الغالب - أو محاضرات ذات صبغة عامة كما في خبر محاضرة عوامل النجاح.
أما النوع الآخر من الأخبار فهو ما يتعلق بأخبار عامة كصدور عدد جديد من مجلة الدعوة والذي يتضمن مقالات وحوارات وتحقيقات اجتماعية، ودعوية، وطبية، وفي هذا لفتة جميلة حيث يعرف المرء الجديد في مجال الثقافة خاصة إذا كان مشغولاً أو يوجد ما يمنعه من زيارة المكتبات باستمرار مما يجعل الأفراد على تواصل مع مصادر الثقافة.
كما تتضمن قائمة المواضيع أخباراً ذات صبغه اجتماعيه كما في شأن البرنامج الوطني لحماية المرأة والطفل من العنف الأسري، علماً أن هذا الموضوع شغل الساحة الثقافية لفترة طويلة في الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى نظراً لما ترتب عليه من إساءة وظلم لبعض أفراد المجتمع من قبل ذويهم. ومن الرسائل خبر حول طلب مقدم لمجلس الشورى يستحث فيه المجلس على السرعة في إصدار نظام يكفل عمل الجمعيات المدنية، كما أن الرسائل تتناول أخباراً خارج الحدود، إذ وردتني رسالة حول خبر افتتاح أول إذاعة للقرآن الكريم في تونس تركز على التلاوة، ومع الفرح بهذا الخبر إلا أني تساءلت في ذاتي أول إذاعة للقرآن الكريم في بلد إسلامي وعربي تأخر افتتاحها حتى عام 1428هـ؟!، ولعله من المناسب أن يقترح على القائمين على هذه الإذاعة في تونس إدخال برامج أخرى إلى جانب التلاوة كالتفسير، وحوارات، وفتاوى، وذلك لتبصير عامة الناس بشؤون دينهم في ذلك البلد العزيز.
إلى جانب الرسائل التي ركزت على الأخبار، وردت رسائل تتضمن فتاوى، وبالتمعن في هذه المعلومات يجد المرء أنها تتوزع على مواضيع تعبدية حول قراءة الحائض القرآن على شكل تلاوة، أو قراءتها آيات في كتب التفسير، والفقه، والأدب الديني، كما تناولت هذه الرسائل الوفاء بنذر صيام يوم العيد، وصفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة سورة يـس على الفرد المحتضر. جزء من هذه الرسائل لفت انتباهي بشكل كبير حيث إن بعضها تضمن إحصائيات، والرقم في كثير من الحالات قد يكون حاسماً كما يظن البعض، وله تأثيره في نفس المتلقي، ومن أبرز ما ورد رسالة تفيد أن 33 في المائة من الأوروبيين والأمريكيين لا يحبذون عيش المسلمين بينهم، وتعليقي على مثل هذه المعلومة إنه بغياب معلومات كافية حول مصدر المعلومة الأساسي، والجهة التي قامت بالدراسة وتوصلت إلى هذه النتيجة يصعب التسليم بهذه النتيجة، كما أنها قد تكون مضللة. رسالة أخرى ذكرت أن 70 في المائة من الناس يؤدون صلاة التراويح حتى ينصرف الإمام، حسب دراسة أجراها كما ذكرت الرسالة أحد الدعاة، ومع أنه لا يوجد لدي تعليق على الرقم من حيث صغره أو كبره، إلا أنه من المناسب الإشارة إلى ضرورة معرفة الآليات البحثية التي اعتمدها الباحث ليصل إلى هذه النتيجة، إذ لابد من تمثيل العينة التي اعتمد عليها الباحث لجميع الناس على أن تكون ممثلة لخصائصهم الديموغرافية. ومثل هذه الرسالة، رسالة أخرى ذكرت أن 73 في المائة من الشباب يؤدون الصلاة في المسجد وما قيل بشأن العينة في الرسالة السابقة يقال بشأن هذه الرسالة فالضبط المنهجي ضروري كي يمكن الاعتماد على صحة النتائج.
رسالة ذات طابع صحي استوقفتني كثيرا، حيث ذكرت أن 70 في المائة من الناس يزيد وزنهم بعد رمضان، ومع أن الرسالة لم تذكر كمية الزيادة، إلا أن الكيفية التي تم من خلالها الوصول لهذه النتيجة مهمة، فهل هذه النتيجة بنيت على دراسة وطنية شاملة لعينات تمثل المجتمع السعودي بكافة شرائحه، ومناطقه، أم أنها نتيجة توصل لها طبيب أجرى دراسة على المراجعين لعيادته؟، ويوجد فرق بين الحالتين. وإذا سلمنا بصحة هذه النتيجة فهذا مؤشر خطير يدل على أن شهر رمضان تحول إلى شهر أكل، وشرب، ونوم، ومثل هذا الوضع يدل على خلل في سلوكنا الغذائي، إذ يفترض أن يكون الشهر الفضيل فرصة لتحسين أوزاننا والعناية بصحتنا بدلاً من الترهل، وزيادة الوزن التي لا تجلب إلا الأمراض، والكسل، والفتور الصحي العام. ولعلي أشير إلى رسالة ذكرت أن المحافظة على الصيام تقلل تصلب الشرايين وتؤخر ظهور علامات الشيخوخة.
بقي أن أقول إن مجمل هذه الرسائل تمثل تحولاً جيداً في سلوك الناس وتصرفاتهم بشأن استخدام التقنية في أمور تزيد ثقافة الناس ووعيهم، كما تزيد من ترابط الناس ومحبتهم لبعضهم البعض، مع تذكيرهم بأمور قد شغلتهم عنها مشاغل الحياة. ومثل هذا الاستخدام يعكس نضجاً اجتماعياً حيال استخدام التقنية بشكل مفيد بدلاً من استخدامها في أمور تؤذي الآخرين وتزعجهم. إن توظيف الجوال بهذه الصورة التي وردت في هذه الرسائل يمثل وعياً اجتماعياً، ويعكس مستوى حضاريا راقيا بدلاً من توظيف أداة الاتصال في أمور تافهة تؤذي الآخرين وتسيء لمستخدميها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي