هل إنتاج البتروكيماويات من غاز البترول المسال مجد اقتصادياً في المملكة؟
يتكون غاز البترول المسال LPG من خليط من غازي البروبان (60 في المائة) والبيوتان (40 في المائة)، ويعتبر هذا الغاز LPG لقيماً مهماً لصناعات كثيرة من ضمنها إنتاج الأولفينات الإيثيلين والبروبيلين. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال تم استهلاك نحو 55 مليون طن من LPG عام 2003، استهلك منها 22 مليون طن لقيما للصناعات البتروكيماوية. ويعد استخدام LPG في الولايات المتحدة والمستخرج من سوائل الغاز الطبيعي NGL في الصناعات البتروكيماوية من الأعلى في العالم بعد المملكة، أما في أوروبا فيستخدم خمس LPG في الصناعات البتروكيماوية، وتأتي دول شرق آسيا في مرتبة متأخرة في استخدامه، حيث نحو عُشر LPG المنتج يستخدم لإنتاج البتروكيماويات، بينما يستخدم القسم الأكبر لإنتاج الطاقة وكوقود للسيارات. ويعتبر إنتاج الإيثيلين من لقيم الإيثان الأرخص في الولايات المتحدة، بينما اعتبر استخدام لقيم LPG وعلى الأخص البيوتان الأغلى.
من المتوقع أن يستمر نمو الطلب العالمي على الإيثيلين إلى عام 2025م بنسبة 4 إلى 5 في المائة. وبحسب بعض المؤسسات الاستشارية العالمية، أن جزءا كبيرا من نمو الإنتاج سيأتي من الشرق الأوسط (انظر جدول 1)، وعليه فإن الإيثان المنتج في هذه الدول قد تم تخصيص جزء كبير منه لإنتاج هذه الكميات الهائلة من الإيثيلين. هذا الأمر يحتم على دول الخليج العربية استخدام ثرواتها الأخرى مثل غاز البترول المسال LPG لإنتاج البتروكيماويات للاستمرار في النهضة الصناعية ولزيادة العوائد المالية من تحويل هذه المادة لمواد أثمن وأغلى.
من ناحية أخرى، من المتوقع أن يستمر نمو الطلب العالمي على LPG بنسبة 3.1 في المائة سنويا، أي أقل من نسبة نمو الطلب العالمي على الإيثيلين، حيث وصل الطلب العالمي على LPG إلى 220 مليون طن عام 2005، ثم نما عام 2006 ليصل إلى 228 مليون طن، ومن المتوقع أن يصل إلى 258 مليون طن بحلول 2010م. وتبقى المملكة في طليعة الدول المنتجة لهذه المادة الاستراتيجية، حيث أنتجت عام 2006م ما يقارب 20.5 مليون طن ،أي نحو 10 في المائة من الإنتاج العالمي، وتم تصدير 11.8 مليون طن منها لخارج المملكة، أي نحو 58 في المائة من إنتاجها، الأمر الذي جعل المملكة أكبر مصدر لمادة LPG في العالم.
الحقيقة أن كميات كبيرة من LPG المصدر من المملكة يمكن استخدامه داخلياً في كثير من الصناعات التحويلية ذات العائد الاقتصادي الأكبر من عائد التصدير، وهذا ما تهدف إليه الدولة، حيث كان الاستهلاك السعودي لمادة LPG نحو 8.5 مليون طن عام 2006، إلا أنه من المتوقع أن تتضاعف كميات الاستهلاك هذه لتصل إلى 19 مليون طن عام 2010، وهذا يرجع للتوسع في استخدام مادة LPG في الصناعات المختلفة، ومنها وبشكل رئيس الصناعات البتروكيماوية.
الحقيقة أن آلية استخدام لقيم غاز البترول المسال LPG لإنتاج الإيثيلين مختلفة تماماً عن طريقة إنتاجه من لقيم الإيثان. فبحسب الجدول رقم (2)، فإن نحو 40 في المائة من ناتج تكسير LPG عبارة عن إيثيلين و15 في المائة بروبيلين و12 في المائة جازولين غني بالعطريات. فلو افترضنا أن رأسمال مصنع إنتاج الإيثيلين من LPG 1.5 مليار دولار، وكمية اللقيم نحو مليون طن سنوياً من LPG. ولكن تكلفة طن LPG تساوى 550 دولارا x 0.7 = 385 دولارا أي أن سعر المليون طن يقارب 385 مليون دولار، ولتبسيط المسألة نستطيع أن نفترض أن كلفة تكسير طن LPG نحو 150 دولارا، ما يعنى أن إجمالي تكاليف تكسير طن LPG 535 دولارا أي أن تكاليف تكسير المليون طن يقارب 535 مليون دولار.
أما بالنسبة لقيمة المواد المنتجة، فيعرضها الجدول رقم (3) إضافة إلى كمياتها وأسعارها، ويجب التنبيه إلى أن هذا الجدول تقريبي ولا يمكن اعتماده في دراسات الجدوى الرسمية. وبناء على هذا الجدول تكون قيمة إجمالي المنتجات نحو 810 ملايين دولار، وعليه يكون الربح السنوي نحو 275 مليون دولار، ما يعني أن المستثمر يستطيع أن يسترد رأس المال في فترة زمنية تتراوح بين خمس وست سنوات، وهي فترة ليست بالسيئة وجديرة بجذب العديد من الرساميل الجادة والخبيرة بمثل هذه الصناعات، ولا سيما أن المملكة تنتج كميات هائلة من مادة LPG.
من خلال هذه الحسابات السريعة والبسيطة يبدو واضحاً أن إنتاج الإيثيلين من الإيثان مغر جداً بأسعار الإيثان الحالية، لدرجة أنه من الصعوبة الحصول على الإيثان، لأن أي مشروع لإنتاج الإيثيلين من الإيثان فهو مربح ومربح جداً، وتم التعرض للقيم الإيثان في المقال السابق. وأما استعمال لقيم LPG لإنتاج الإيثيلين عن طريق التكسير فيبدو واضحاً أنه أقل إغراء مقارنة باستعمال الإيثان كلقيم، حيث إن المدة الزمنية اللازمة لاسترداد رأس المال المستثمر تساوي تقريباً أكثر من ضعف المدة اللازمة فيما لو استعمل الإيثان لقيما، وعليه فهو أقل جاذبية في استهواء المستثمرين من لقيم الإيثان، ولذلك يتم بيع وتصدير أكثر من نصف إنتاج المملكة منه للخارج.
أعتقد أن أسعار لقيم LPG في المملكة ما زالت مغرية مقارنة بباقي دول العالم، وعليه فإن التفكير الجدي في استخدامه للصناعات الداخلية عوضاً عن تصديره هي فكرة استراتيجية من شأنها أن تزيد الناتج القومي السنوي وتفيد في جلب الاستثمارات الأجنبية للمملكة عوضاً عن استغلال الاستثمارات السعودية للأفراد أو للمؤسسات في الداخل وإغرائها بعدم مغادرة الحدود.