حالة من الارتباك
هل يفترض في دول منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) زيادة الإنتاج كما تطالب الوكالة الدولية للطاقة، وهي تجمع المستهلكين، أم أن على هؤلاء ترتيب أمور بيتهم الداخلية خاصة فيما يتعلق بوضع الإمدادات من المنتجات النفطية المكررة التي تشهد حالة من الشح خاصة في السوق الأمريكية، أكبر مستهلك لهذه المنتجات وفي هذا الوقت من العام تحديدا مع حلول فصل الصيف وبدء موسم قيادة السيارات، كما تقول منظمة (أوبك) التي ترجع زيادة الأسعار إلى هذا الجانب، وأسباب أخرى من بينها التوترات الجيوسياسية التي تلف العالم وارتباطها بسلعة النفط الاستراتيجية؟
الجدل المستعر حول هذا الموضوع له ما يبرره، خاصة في ضوء اقتراب سعر برميل النفط من 80 دولارا، وهي منطقة خطر ليس على ميزان المدفوعات بالنسبة للمستهلكين فقط، وإنما لأنها يمكن أن تسهم في إحداث تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي ينعكس بدوره على الطلب على النفط، وتكرار تجربة مرت بها المنظمة من قبل في عقد الثمانينيات عندما أدى ضعف الطلب ونمو الإمدادات من خارج (أوبك) إلى الضغط على هيكل الأسعار، حتى اضطرت المنظمة إلى خفض أسعارها بصورة رسمية لأول مرة في تاريخها في آذار (مارس) 1983، ولو أن الاقتصاد العالمي أبرز قدرة عالية حتى الآن على امتصاص الارتفاع في الأسعار لأسباب مختلفة، ربما على رأسها أن المكون النفطي في العملية الاقتصادية، خاصة في الدول الصناعية، تراجعت نسبته عما كان عليه سابقا.
على أنه في خضم الجدل الجاري حاليا برزت بعض الأشياء التي تلفت الانتباه، ومن هذه مثلا أنه في أواخر الأسبوع الماضي أصدرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تقريرها الأسبوعي المعتاد، وفيه تقول إن المخزون من النفط الخام زاد خلال فترة الأسبوع تحت المراجعة بنحو 1.4 مليون برميل إلى 352.6 مليون. لكن في اليوم ذاته أصدر معهد البترول الأمريكي، وهي المؤسسة التي تمثل الصناعة النفطية في الولايات المتحدة، تقريرا تقول فيه إن حجم المخزونات من الخام تراجعت بنحو 6.8 مليون برميل إلى 345.4 مليون. ويلاحظ وبنظرة سريعة أن حجم الزيادة في تقرير إدارة المعلومات، وهي الذراع الإحصائي لوزارة الطاقة، جاء صغيرا، وأن الموجود من المخزون يظل أعلى مما يعتقده معهد البترول، ربما بسبب أن حجم التراجع يزيد بأكثر من خمسة أضعاف حجم الزيادة التي توصلت إليها إدارة المعلومات.
يحدث هذا في الولايات المتحدة، حيث يفترض في الإحصاءات أن تكون المجال الأكثر طوعا للتحكم فيه، سواء من قبل الحكومة أو أجهزة الصناعة مثل معهد البترول بسبب القدرات الكبيرة المتوافرة، لكن المفارقة من الكبر لدرجة أن جهة ما ترى أن هناك زيادة في المخزون خلال فترة أسبوع واحد، بينما ترى الأخرى أن الأسبوع نفسه شهد تراجعا في حجم المخزون أضعاف أضعاف الرقم الذي أوردته المؤسسة الأخرى.
كيف يمكن التوصل إلى قناعات وبناء خطط واستراتيجيات في ضوء هذا التضارب؟ فإذا لم تكن الولايات المتحدة بكل هيلمانها وتقنيتها وإمكانياتها الإحصائية والعلمية ليست قادرة على التحديد وبدقة معدل ما سحب أو أضيف إلى المخزون في فترة زمنية محددة، فكيف ببقية المستهلكين حتى وإن كانوا غربيين يمكن تصنيفهم داخل منظومة الدول المتقدمة، ناهيك عن بقية دول العالم وفوق هؤلاء كلهم الدول الأعضاء في منظمة أوبك؟ ورغم هذا يتم طرح هذه الأرقام وتبني مواقف سياسية على أساسها، مثلما هو الحال مع تقرير الوكالة الدولية للطاقة الأخيرة، الذي يتوقع حدوث شحّ في الإمدادات، وأنه في غضون خمس سنوات يمكن أن تتسع الفجوة بين العرض والطلب.
هذه المشكلة لم تجد حظها لا من الاهتمام ولا من الاعتراف، فالاعتراف بها يمكن أن يوفر شيئا من التواضع يجعل من كل طرف يقدم معلوماته، لا على أساس أنها القول الفصل كما هو الجاري حاليا، وإنما كونها وجهة نظر تحتمل الصواب والخطأ، وهو ما يمكن أن يتيح فرصة أفضل للحوار.
وقبل بضع سنوات تنبه وزراء المالية في الدول الصناعية السبع إلى هذه النقطة، ودعا جوردون براون وزير الخزانة البريطاني وقتها إلى التعامل مع هذه المشكلة، لكن من الواضح أنه لم يتم التوصل إلى حلول جذرية، بدليل أن الوكالة لا تزال تقوم بمراجعة دورية في تقاريرها الشهرية للأرقام التي تكون ذكرتها في الشهر السابق.
طوفان العولمة الذي يجتاح العالم ومعه التخمة في المعلومات يبدو أنها تسهم كلها في حالة التشويش التي تشهدها الأرقام، بل وتضعف من قوة وجود جهة قادرة على التأثير على السوق، والمعلومات الصحيحة والدقيقة جزء أساسي من عمليات السيطرة هذه. وعليه يبدو أن على السوق والمتعاملين معها من منتجين ومستهلكين الاستعداد لفترات طويلة من الارتباك.