منظمة التجارة العالمية بين يديك (50)

 منظمة التجارة العالمية بين يديك (50)

[email protected]

متطلبات الانضمام واستحقاقات العضوية (1 من 2)

من الصعوبة بمكان تصور مشقة المفاوضات التجارية الرامية لانضمام الدولة المستجدة لمنظمة التجارة العالمية إلا بعد خوض جولاتها الشائكة وكشف أسرارها العميقة واقتلاع جذور رهبتها، بل من المستحيل حقاً استشراف مسيرة هذه المفاوضات الشاقة والتنبؤ بخطواتها المتسارعة ومواقفها المعقدة إلا عند الاستمتاع بنتائجها الباهرة وتذوق حلاوة الانتصار على همومها، وإذا أمعن المرء في قضايا التجارة الدولية على مر العصور، منذ أن وقف الاقتصادي البريطاني المخضرم (جون مينارد كينز) John Maynard Keynes، في مؤتمر بريتون وودز Bretton Woods Conference، ينادي وفود الدول المشاركة بضرورة إبرام صفقات فتح أسواقها اقتصادياً ومالياً وتجارياً حتى لا يضرم الكساد نار حرب ضروس أخرى قد تكون أكثر وبالاً من الحروب التي سبقتها، لوجدنا أن هناك ثمة عناصر أساسية مهمة تحتم على المفاوض، الذي يمثل أي دولة من دول العالم، أن يفهمها ويتقنها ويبرع في استخدامها ومحاكاة أصولها وفروعها وجذورها لكي يستطيع تأمين مكانة مميزة لبلاده وتحقيق موقعاً مرموقاً لوطنه في هذا النظام التجاري العالمي الجديد، ولا يكفي أن يكون هذا المفاوض أو المسؤول عن مسيرة مفاوضات بلاده مواطناً صالحاً أو خبيراً اقتصادياً أو قانونياً فذاً، بل يجب قبل ذلك كله أن يتمتع بمزايا الإدارة الحازمة والقيادة الحكيمة والمعرفة الدقيقة الشاملة. ومن هذا المنطلق يستطيع المرء أن يستنتج مبادىء المفاوضات وخصال المفاوض عبر المقومات الأساسية المطلوب توافرها في الدولة المستجدة على النحو التالي:
1 ـ أن يتميز الفريق التفاوضي بالمصداقية Credibility والاستقامة Integrity ، لما لهذه الصفات من أهمية كبرى في توفير المعلومات الدقيقة عن طلبات الدول وإن كانت مجحفة Unfair، ورفع التقارير الواقعية عن نتائج المفاوضات وإن كانت مؤلمة، واقتراح التوصيات للمسؤولين في الدولة المستجدة وإن كانت قاسية وملزمة، كما أن هذه الصفات تؤدي حتماً إلى بناء جسور الثقة بين الدولة المستجدة وبين الفرق التفاوضية للدول المناظرة وتفادي تقديم الأعذار الواهية لهم وتفويت فرص اكتشاف الأخطاء المقصودة من قبلهم.
2 ـ أن يتم اختيار أعضاء الفريق التفاوضي من المختصين والخبراء في مجال أعمالهم ممن يملكون النظرة البعيدة الثاقبة Vision والقدرة على المناظرة Debate وليس المجادلة Argumentative، وأن يكون فريقاً متجانساً Homogeneous، متفرغاً Devoted وقادراً Capable على مواجهة المشاق والمتاعب والابتعاد لفترات طويلة عن بلاده وأهله. وحيث إن اللغات الثلاثة المعتمدة في المنظمة هي الإنجليزية والفرنسية والإسبانية فلا بد من اختيار المفاوضين اللذين يتقنون هذه اللغات أو أحداها ويجيدونها إجادة تامة توفيراً للوقت الثمين ودرءا للأخطاء غير المقصودة الناتجة عن الترجمة غير الدقيقة التي قد تكبد الدولة المستجدة الكثير من التكاليف هي في غنى عنها في هذه المرحلة.
3 ـ أن يكون الفريق التفاوضي ملماً إلماما تاماً بأهداف حكومته الاقتصادية واستراتجيات خططها المستقبلية ومصالح جميع قطاعاتها التنموية، ليستطيع هذا الفريق، من خلال المفاوضات الجارية مع الدول الأخرى، تضييق الفجوة Bridge the Gap بين التزامات وتعهدات بلاده وطلبات الدول بما يحمي مصالح دولته المستجدة ويفي بمتطلبات الانضمام في الوقت نفسه.
4 ـ أن يتم توفير الجهاز القانوني الخبير في شؤون وشجون التجارة الدولية واختيار مجموعة من المستشارين المختصين في مبادىء ومواضيع المنظمة الأساسية لمساندة الفريق التفاوضي ودعم مسيرته عن طريق إعداد مذكرات المواقف Memorandums، ومراجعة الاتفاقات الثنائية Bilateral Agreements، قبل توقيعها وإعداد ومراجعة الأنظمة الجديدة New laws، ولوائحها التنفيذية Implementing Regulations، والمساهمة في صياغة مسودة تقرير فريق العمل Working Party Report.
5 ـ أن يتم تشكيل الفرق الفنية المتخصصة في القطاعات الأربعة الأساسية المدرجة على جدول المفاوضات، وهي جداول السلع الزراعية والصناعية Goods Schedules، وجداول الخدمات Services Schedules، ومجموعة الاتفاقات الأساسية متعددة الأطراف WTO Multilateral Agreements، ومسودة تقرير فريق العمل Draft Working Party Report. ويكون لكل فريق رئيساً يتم اختياره من أعضاء الفريق التفاوضي وأعضاؤه من الجهات المعنية المناط بها إعداد هذه الوثائق وتوفير الخبرة الفنية.
قبل إطلاق جولة أوروجواي للمفاوضات التجارية الشاملة التي عقدت خلال الفترة (1986 إلى 1994) م، كانت الأطراف المتعاقدة المؤسسة لاتفاقية الجات47 تسعى جادة لإقناع باقي الدول، التي لازالت خارج الاتفاقية، بالانضمام إلى نادي الأغنياء محاولة منها في إقناعهم وكسب ودهم للانخراط في النظام التجاري العالمي الجديد. كان هدف الأطراف المتعاقدة ينصب في تعزيز مصداقية اتفاقية الجات47 وترسيخ مبادئها في القرية الكونية وتوسيع قاعدتها. كانت فرصة سانحة ثمينة أهدرتها الدول النامية، ومنها العديد من الدول العربية، لحصد المكاسب من الانضمام للاتفاقية دون عناء يذكر أو تعهدات مجحفة تستحق من هذه الدول أن تأسف عليها نتيجة للالتزام بها. أما بعد انتهاء جولة أوروجواي بنجاح ملفت للنظر، تم تتويجه بتوقيع (117) دولة على وثيقة إنشاء منظمة التجارة العالمية في مراكش بالمملكة المغربية يوم 15 نيسان (أبريل) 1994م. أطلقت هذه الدول من خلالها العنان لمبادئ العولمة الاقتصادية والتجارية والمالية والاستثمارية والفكرية الموثقة في أحكام 28 اتفاقية تشمل مختلف قطاعات السلع والخـدمات والاستثمار وحماية حقوق الملكية الفكرية، وتخضع أغلبها لمبدأ الالتزام الشامل الموحد والصفقة الموحدة Single Undertaking Principle . مما يعني أن الدول التي تخلفت عن الركب في الأول من كانون الثاني (يناير) 1995م، أصبح إلزاماً عليها، لدى رغبتها في الانضمام للمنظمة لاحقاً، أن تلتزم بتطبيق جميع الاتفاقيات دون قيد أو شرط أو استثناء يذكر، استناداً لأحكام المادة (12-1) من اتفاقية إنشاء المنظمة التي تنص على التالي: "لأي دولة أو إقليم جمركي منفصل يملك استقلالاً ذاتياً كاملاً في إدارة علاقاته التجارية الخارجية والمسائل الأخرى المنصوص عليها في هذا الاتفاق والاتفاقات التجارية متعددة الأطـراف أن ينضم إلى هذا الاتفاق بالشروط التي يتفق عليها بينه وبين أعضاء المنظمة، ويسري هذا الانضمام على هذا الاتفاق وعلى الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف الملحقة به".

الأكثر قراءة