رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأجندة السياسية في الاقتصاد الصيني

[email protected]

كثر الحديث أخيرا عن التغير في موازين القوى الاقتصادية العالمية وأصبحت الصين والهند والبرازيل وكوريا أمثلة للتطور الاقتصادي الذي أصبح يزاحم بشكل كبير الهيمنة الاقتصادية التي كانت القوى الغربية تتزعمها لفترة طويلة من الزمن. ولعل هذا التغير في الخريطة الاقتصادية العالمية اعتمد على عدد من العوامل التي ساعدت على هذا التغيير، منها عوامل سياسية واقتصادية، خصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة وانفتاح الاقتصاد العالمي على العولمة الاقتصادية، وأصبحت هناك حرية أكثر لتنقل الاستثمارات وحركة رؤوس ‏الأموال.
كانت هذه مقدمة لمقال "إفريقيا الصينية على الطريق الصحيح" الذي طرحته في الأسبوع قبل الماضي عن التوجه الصيني إلى الاستثمار في إفريقيا وتحدثنا الفوائد المزدوجة التي يجنيها جميع الأطراف من ذلك التوجه حتى وإن كانت الصين تطبق إلى حد ما المفهوم الاستثماري المعروف في الغرب بـAid and Trade ، وأثلج صدري التفاعل الذي وجده ذلك المقال من خلال بعض النقاشات التي طرحت التساؤل عن تفاؤلي بأن ذلك التوجه سيجعل من الصين القوة الاقتصادية العظمى في العام 2050.
ومن وجهة نظري فإن التجربة الصينية تختلف كثيرا عن التجربة الأمريكية - الأوروبية في التعامل التجاري مع دول العالم المختلفة، وعليه فإن استقبال دول العالم للصين اقتصاديا واستثماريا سيكون بشكل أفضل من استقبال تلك الدول للاستثمارات الأخرى. وتاريخيا فإن الصين الشيوعية سياسيا واقتصاديا قد تغيرت لتصبح دوله اقتصادية بحتة لا وجود لأجندة سياسية ظاهرة أو باطنة في تعاملاتها التجارية على مستوى المساعدات أو التعاملات التجارية، ولذلك فإن القيادة السياسية الصينية لا تتحدث عن القضايا السياسية الحساسة في مناطق العالم المختلفة، فهم مثلاً لا يثيرون قضايا الديمقراطية ولا الإصلاح الداخلي، ولا يتحدثون في قضايا الحريات الداخلية للدول الأخرى بل إن الظاهر للجميع أن اللغة الصينية هي لغة تجارية بحتة ولذلك فإن سمعة الصين الحالية تتمحور حول معدلات النمو الاقتصادي الصيني العالي الذي بلا شك سينعكس إيجابيا على الدول ذات الموارد الطبيعية من حيث ازدياد طلب الاقتصاد الصيني على تلك الموارد ومن ناحية إمكانية التبادل التجاري على طريقة الند للند.
وعلى الرغم من الصراع الغربي - الصيني المحتمل، كردة فعل طبيعية في سوق المنافسة السياسية الاقتصادية فإن ذلك بلا شك سيلقي بظلاله على تعاملات دول كثيرة مع هذا المد الصيني حيث ستقوم الدول المتضررة باستغلال نفوذها الاقتصادي والسياسي للحد من الامتداد الصيني لدول ذات صبغة تحالفية مع القوى الغربية قد تجعل من تلك الدول تنظر إلى التحالف الصيني في موضع البديل لتحالفاتها الغربية السابقة. خصوصا على المستوى التجاري. وهذا الاحتمال يقوده بلا شك كما ذكرنا سابقا الاعتقاد بأن الأجندة الصينية لا تحمل أجندة سياسية تطول بعض الأمور الداخلية داخل تلك الدول.
والعائق الوحيد أمام ذلك المد الصيني قد يكمن في صعوبة التعايش والتفاهم مع الثقافة الصينية بعكس الثقافة الغربية التي تمتد لمئات السنين في بعض الدول. ولعل ذلك ما تحاول الصين تلافيه في استثماراتها الإفريقية عن طريق إيفاد الكثير من القوى العاملة الصينية والخبرات الأكاديمية في سبيل تسهيل الاندماج التجاري بين الصين وإفريقيا على سبيل المثال.
على الجهة الأخرى من هذه النقطة، فإن السنوات العشر الماضية شهدت ثورة في الاهتمام بالصين كدولة اقتصادية قادمة مما دفع الكثير من الدول إلى إيجاد مؤتمرات ثنائية مع الصين وتجد الكثير من التقارير الصحفية العالمية تغطي أنماطا كثيرة من الفضاء الصيني. وما زلت أرى أن الصين تحتاج إلى مضاعفة الجهد في هذا المجال إذا ما أرادت تقليل المصاعب في طريق نمو نفوذها الاقتصادي العالمي.
ختاماً، إن نظرية الاستثمار الأجنبي التي تطبقها الشركات الصينية حاليا تقوم على نقل الكثير من الاستثمارات إلى دول كثيرة حول العالم، وهو ما كانت تتبعه الشركات الغربية في أواخر القرن الماضي، ولكن يبدو أن الشركات الصينية طورت ذلك المفهوم بالتركيز على القارة البكر المملوءة بالثروات الطبيعية والبشرية عن طريق تطوير مفهوم Aid and Trade.
ويبقى التساؤل عن سهولة الطريق أمام الصين لزعامة العالم اقتصاديا، محكوما بما تحمله السنوات المقبلة من تحديات للاقتصاد الصيني داخليا و خارجياً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي