أنعام القابضة والغاضبة!!!
"أنعام" لمن لا يعرفها وأعتقد أن الجميع يعرفها كانت تسمى "المواشي المكيرش" وقد تأسست في عام 1982م (ربع قرن منذ تاريخ التأسيس) وحدث التحول من "المواشي" إلى "أنعام القابضة" بخطة على الورق وليس على أرض الواقع حيث لم تزل "المواشي" التي عرفناها، التي رحمها الله صالت وجالت بأموال المساهمين وكانت لها قصص سوف تروى يوماً ثم كيف صار الزواج بين المواشي والمكيرش ومن ثم الطلاق؟ وما كانت النيات والأهداف لـ "أنعام القابضة" اليوم هذا الاسم العريض الكبير الذي يحتاج إلى جهد كبير أيضا حتى تستحقه الشركة؟ المهم أن الشركة وفي نهاية العام المالي 2006م تجاوزت خسائرها المتراكمة أكثر من 90 في المائة من رأسمالها الذي تجاوز 1200 مليون ريال لم يبق من حقوق ملكيتها إلا نحو 109 ملايين ريال بعائد سلبي على حقوق المساهمين تجاوز 293 مرة. وكل ذلك حدث بموافقة الجميع وبزيادات متكررة لرأس المال لم تكن مفهومة إلا أنها ساعدت على زيادة حجم المشكلة وذلك تحت أسماع الجميع وعيونهم.
أعتقد جازما أن قرار إيقاف شركة بيشة الزراعية ومن ثم قرار إيقاف شركة أنعام القابضة (المواشي سابقا) من أهم القرارات التي صدرت وأشجعها وكانت دليل عافية وليست دليل مرض كما يظن البعض. فالشركات هي بالضبط مثل البشر تولد وتموت، تكون صغيرة في بدايتها ثم تكبر وتهرم وثم تموت وشركات تولد صغيرة وتموت وهي صغيرة ولكنها في الغالب غير مأسوف عليها كما في بعض حالات الموت البشري. ومن الصحي لنا أن تكون الحياة الاقتصادية حيوية وذات طبيعة ديناميكية تقترب من الطبيعة البشرية. ففي أمريكا مثلا يؤسس يوميا آلاف الشركات كما تفلس آلاف أخرى بما فيها بنوك ولا يزال الاقتصاد الأمريكي الاقتصاد الأول في العالم. إذن أين المشكلة إن أفلست "أنعام" و"بيشة" وغيرها؟
سبب هذا الحديث ما كتُب من تصريحات حول المراهنة على إحداث نقلة نوعية في مسار "أنعام"، التي كانت في طريقها إلى الإفلاس مع أنها بالنسبة للمنطق الاقتصادي البسيط هي مفلسة فعلاً والموضوع منته منذ سنوات ولكن...، تقول التصريحات إن هذه النقلة مربوطة بعودة أسهمها للتداول بعد تخفيض رأس المال بنسبة 90 في المائة هو حجم ما خسرته الشركة! كلام جميل لكنه غير مفهوم!
وكلي أمل في إيصال هذه الرسالة إلى الجميع بمن في ذلك المسؤولون الذين نعلم أنهم حريصون على تنفيذ النظام، ما الذي نفهمه من هذا التصريح؟ وما الذي يمكن أن نفهمه كمراقبين ومسؤولين ممن يفترض أن لدينا الفهم الكامل لأسواق المال وفكرتها الأساسية، تداول الأسهم حسبما أفهم ويفهم الجميع لا علاقة له بأرباح الشركة ولا بتحويلها من حالة الخسائر إلى حالة الأرباح بالنسبة للمستثمرين الإستراتيجيين! فلماذا نربط هذا الموضوع بتداول أسهمها؟ أعتقد أنه حتى وإن عقدت الجمعية غير العادية وتم إقرار تخفيض رأس المال بنسبة تفوق 90 في المائة من رأسمالها (بمعدل 1:11) أي أن من كان يملك أحد عشر سهما أصبح يملك سهما واحدا فقط، فإن الشركة بحاجة إلى سنتين أو ثلاث كحد أدنى حتى يمكن لها أن تعود أسهمها للتداول. هذا هو المنطق وهذا هو المعمول به في الأسواق ذات المهنية. السؤال لهذه الشركة "العريضة الشعبية" وللمسؤولين الذين عليهم بعد اجتماع الجمعية العمومية غير العادية هو ما الذي سوف يحدث لو تم السماح للشركة بأن يتم تداول أسهمها مرة أخرى في السوق حتى لو كان السعر الذي سوف تطرح به للتداول ريالا واحدا فقط؟ أعتقد أن الجميع متخيل ما الذي سوف يحدث لهذا السهم!!! "تنسيب مستمر بلا توقف".
صدقوني، إن هذا هو السؤال الكبير ليس لشركة أنعام ولكن لكل الشركات التي يتم إيقاف تداول أسهمها. ماذا لو بلغ السهم في أول أيام التداول النسبة القصوى وظل السهم على هذا المنوال حتى يبلغ مستويات أسعار أسهم قطاع التأمين أو أكثر، ثم فجاة "يهج" الجميع ومن ثم تعود حليمة إلى عادتها القديمة وتصبح الشركة ملكا للمضاربين الأساوش ويصبحون هم من يديرون الشركة ويصيغون الأخبار التي يفترض أنها تصدر من إدارة الشركة كما يحدث مع عدد من الشركات؟! وما أخبار الاندماجات لبعض الشركات الخاسرة إلا إحدى النكت التي يتم تداولها في هذا الشأن! أترك الإجابة للمسؤول عن إقرار تداول الشركة بعد تصويت الجمعية العمومية غير العادية على تخفيض رأس المال واعتماد خطة الإنقاذ!
هذا جانب، أما الجانب الآخر فهو لماذا لا تتم معالجة هذا المرض المزمن في سوق المال وهو عدم الاهتمام بالجمعيات العمومية للشركات التي يمتلك المواطنون أسهمها؟ من المسؤول قبل هيئة سوق المال عن الزيادات المكررة في رؤوس أموال الشركات الخاسرة بكل بساطة وبدون مسئولية؟ أم أن المسألة تقع تحت قول عفا الله عما سلف!
في الختام، أتمنى عدم عودة الشركة للتداول مره أخرى إلا بعد مرور سنتين أو ثلاث كحد أدنى بعد تحقيق أرباح تشغيلية وحتى بعد مرور سنتين أو ثلاث يجب ألا تطرح مباشرة في السوق، ولكن عن طريق طرح محدد أولي محدود للمؤسسات المالية بهدف تقييمها قبل الطرح ومن ثم شرائها من مستثمريها الحاليين (90 ألف مضارب) ومن ثم تطرح للتداول بعد ذلك. ليست هذه الأمنية إلا للصالح العام وصالح الشركة ولتأكيد أن الشركات وبالذات العامة يجب أن يكون عليها حوكمة واضحة وصارمة خدمة لعامة المستثمرين الذين غرر بهم ولا يزال يغرر بهم تحت مظلة كلمات قد تكون براقة ولكنها لا تسمن ولا تغني من جوع! حماية حقوق العامة مسؤولية أمام الله وأمام ولي الأمر وهي من واجب الجهات التي أعطيت هذه الأمانة وعليها أن تقوم بها على أكما وجه. أتمنى النجاح لشركة أنعام ولكن ليس عن طريق إعادة تداول أسهمها، بل عن طريق العمل المستمر على تحقيق الخطة المعلنة لإنقاذ الشركة، وقتها سوف يخطب ودها الجميع وسوف ينظر للمستثمرين الاستراتيجيين الذين نجحوا في هذا التحدي على أنهم رجال أعمال من نوع خاص وتصبح لهم علامة تجارية دائمة إن شاء الله، وليس فقط عن طريق إرجاع أسهم الشركة للتداول!