المحبون مازالوا متمسكين بعادتهم وللعازفين مبرراتهم
تعتبر القراءة المتعة الحقيقية لدى فئة من الناس وبالذات الإنسان المحب لها، وفي الجانب الآخر أناس كثير يهملون تلك القراءة فيقول القائل منهم: أنا لا أحب أن أضيع وقتي بالقراءة، ويقولون في بعض الأحيان إنها كلام ليس ذو أهمية.
ويختلف ذلك بين الرجال والنساء الشباب والفتيات فيصبح العزوف عن القراءة حينئذ ظاهرة، وحين نبحر في شأن العزوف عن القراءة وأسبابها يتحدث عدد من الجنسين رجالا ونساء وشبابا وفتيات، فماذا يقولون عن هذا الكنز الذي أصبح مفقودا لدى الكثير فنجد المكتبات العامة تزخر بها هذه البلاد ولكنها شبه مهجورة إلا من القليل وانشغل الناس في البيوت بمؤثرات أخرى، فكيف نستفيد من القراءة في تثقيف أنفسنا وتطوير قدراتنا ومهاراتنا؟ هذا هو محور حديثنا.
في البداية تقول وجدان محمد: "إنها تحب القراءة ولكن لا تقرأ أي شيء، فهي تقرأ بعض القصص والروايات وتميل إليها بشدة وأحياناً المجلات، كما أنه تقرأ الغلاف وما يشدها فيه فقط، وهي لا تكاد تقرأ ما وجد في كُتبها المدرسية وتراها ثقيلة جداً عليها؛ ولكن هذا ضروري ولا بد أن تعمله، لأنها ستحاسب عليه قِبَل المسؤولة عنها وهي المعلمة!!.
وتؤكد حنان علي أنها تحب القراءة وتحبها بطريقة متنوعة وتحب أن تجعل جزءاً كبيراً من وقتها لتلك القراءة وقراءة الكثير من الكتب والمجلدات، وتتمنى أن تكون ملمة بكثير من المعلومات والحجج والبراهين حتى تستطيع أن تتخاطب مع الكثير ممن حولها حتى لو كانوا أكبر منها سناً، وذلك بطريقة جميلة سلسة ومقنعة مستندة إلى تلك الكتب المتنوعة في حياتها، وتقول أيضاً: الحمد لله فإننا بخير يحسدنا عليه غيرنا، وذلك في توافر الكتب المفيدة وأحياناً توزع مجاناً في مجالات أخرى مثل المسابقات في الندوات.
وأما المعلم "هاشم محمد" فيقول: إنه يحب القراءة جداً لأنها تنمي الأفكار وتفتح الأذهان، فقلت له: كتب معينة؟ فقال: لا بل أحب الاطلاع كثيراً، وأحب التنوع حتى أرى القديم والجديد والماضي والحاضر، في بعض الكتب وكل شخص يحب أن يكون ملماً بأشياء كثيرة فهناك مقولة تقول: (الحياة مدرسة)؛ ولكن نحن لا نعلم أخبار العالم بأكمله في تلك الحياة، ولكن بفضل الله ثم حكومتنا ومجتمعنا، استطعنا أن نتعلم الكثير عما داخل تلك الحياة، وذلك بالقراءة والاطلاع الشامل والمتكرر، فبذلك أستطيع أن أتحدث عن بعض الذين يعيشون في تلك الحياة بفضل الله.. وأيضاً تجعلنا أصحاب ثقافة وإلمام بمن حولنا، وتعد القراءة من أهم الوسائل التي تنتقل بواسطتها ثمار العقل البشري، وأنقى المشاعر الإنسانية إلى فكر ولب وبصر القارئ، فهذه القراءة تسعى إلى توسيع مجال البصر حين يقرأ، حتى يمكنه النظر إلى سطر كامل أو ما يقاربه لحسن الأداء وجودة الطرح وأيضاً يستطيع التعليق بشكل خاص على بعض الأخطاء الإملائية التي قد تنشر..
وأما سعد العمير فيقول: نعلم أن القراءة هي أساس تعلم وتعليم اللغة العربية ومحور الترابط بين فروعها، يُدرك بواسطتها المعاني والمفهومات، ويتعلم كيفية بناء الحقائق الكامنة وراء الرموز الكتابية، ويتدرب على كثير من العمليات العقلية كالربط والإدراك والموازنة والفهم والاختيار والتقويم والتذكر والتنظيم والاستنباط والابتكار في غالب الأحيان، فأهميتها عظيمة لورودها في كتاب الله حين قال جل وعلا: (فاقرأوا ما تيسر منه)، فإنها تعد من الأساسيات في الحياة فمن يجهلها يتمنى أن يرجع إلى الوراء حتى يتعلم القراءة والكتابة، وحتى يستطيع أن يقرأ كثيراً من المواضيع أو ما يصادفه من أوراق مكتوب فيها، أو حتى أحياناً النشرات الموجودة في بعض الأدوية فنرى الجاهلين وغير المتعلمين ينتظرون من يملك تلك النعمة التي أنعم الله عليه بها وتعلم ثم قرأ وكتب فيقولون مثلاً: لو سمحت أريدك أن تقرأ لي هذا فأنا أجهل ما هو مكتوب في تلك الأوراق أو غيرها..
تبني الشخص ثقافيا
ويؤكد الشيخ الدكتور فهد العصيمي أستاذ الدراسات الإسلامية في كلية المعلمين، أن هناك مشكلة في العزوف عن القراءة لدى الشباب وأخص بها قراءة الكتب العلمية وذات الفنون الأخرى، ولا يمكن أن نقول إن قراءة الصحف مثلا تغني عن القراءة التي تبني الشخص علميا وثقافيا، فهي تفيده في جانب معين لكن القراءة ذات الاطلاع الواسع في الكتب في مختلف الفنون تبني شخصية الفرد، وبالأخص القراءة المتخصصة التي تزيد الإلمام بعلم من العلوم بدرجة فائقة وليتحرى القارئ النافع المفيد ويقصد بها خدمة دينه وآخرته وكذلك حياته الدنيوية وكما قال الشاعر: [وخير جليس في الزمان كتاب]، ولكن كما ذكرت أن التركيز بالنسبة للمسلم ينبغي أن يكون على القراءة التي تبني عقيدته من كتب وقصص وأدب إسلامي وتاريخ إسلامي، لأن الكتاب سلاح ذو حدين إما أن يعينك على الخير وإما أن يحرِّك الشر، ويجب أن يكون التركيز على المعين على الخير.
ومن جهته قال الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد أستاذ التربية الإسلامية المساعد:
أنا لا أتفق مع الزعم أن الشباب عازفٌ عن القراءة، لأن هذا مُخالفٌ للواقع الذي يُنبئ بأن هناك من يقرأ، بدليل ذلك الكم الهائل الذي تقذف به المطابع في كلٍ يومٍ تطلع شمسه من المطبوعات المُختلفة، التي أجزم أنها في ازدياد؛ الأمر الذي يدُل على أن هناك قراءٌ يقرأون. ولكن السؤال الذي يُفترض أن يُسأل هو: ماذا يقرأ الشباب في مجتمعنا ؟
ويضيف أن معظم الشباب - وللأسف الشديد - لا يقرأون إلا بعضاً من الصفحات الرياضية أو الفنية أو صفحات الأدب الشعبي في الصحف اليومية، أو المجلات الملونة الزاخرة بكل سخيفٍ من الأخبار والأشعار، والطروحات والأفكار والروايات والألغاز ونحو ذلك من المواد الصحافية التي يمكن القول: إنها في مجموعها لا تُضيف شيئاً من النفع أو الفائدة للقارئ، ولا تمنحه شيئاً من الثقافةً والوعي المطلوب تحقيقهما من عملية القراءة التي تُعد ثقافةً في حد ذاتها؛ فالقراءة المطلوبة من الجميع هي تلك القراءة المفيدة التي تُضيف إلى رصيد القارئ شيئاً من الثقافة والوعي والعلم والأدب والمعرفة، وما لم يتحقق ذلك أو بعضه فالقراءة غير مُجدية ولا فائدة منها، بل إنها تكاد تكون نوعاً من العبث.
وهنا أُشير إلى بعض الجوانب التي يمكن أن تكون من أسباب عدم إقبال الشباب على القراءة المطلوبة التي يُرجى منها النفع والفائدة، ومنها ما يلي:
كثرة المُلهيات التي لا تسمح بالوقت الكافي للقراءة، ولا سيما في هذا العصر الذي تعددت وتنوعت فيه الوسائل التقنية بشكلٍ مُذهل في شتى المجالات، الأمر الذي أوجد بديلاً لعملية القراءة عند الكثيرين وبخاصة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، والألعاب الإلكترونية، والكمبيوتر، والإنترنت، ونحوها.
* ضعف الهمة عند كثيرٍ من الشباب، ولعل ذلك راجعٌ لعدم التدرب منذ الصغر على عادة القراءة التي يُفترض أن تبدأ مع الإنسان منذ الصغر لتُصبح جزءاً من حياته.
* ارتفاع أسعار الكتب والمطبوعات التي يُرجى منها النفع والفائدة، وهذا من أهم الأسباب التي يُفترض أن تخضع لعملية الحل العاجل؛ فنسبة الأمية في المجتمع العربي بعامة، تفرض وتوجب على المجتمع والمعنيين فيه أن تكون أسعار الكتب النافعة والمفيدة منخفضةً وميسورة وممكنة لجميع الفئات، أما أن تكون الصحف والمجلات بأسعارٍ زهيدة مقابل ارتفاع أسعار الكتب ونحوها؛ فإن الإقبال على الأولى سيكون أكثر بلا شك.
* انخفاض نسبة الوعي الاجتماعي بعامة ولا سيما عند فئة الشباب بأهمية القراءة وضرورتها للإنسان في الحياة العامة؛ ولذلك أقترح أن تكون هناك حملة وطنية توعوية تتبناها جهة حكومية رسمية مثل وزارة الثقافة والإعلام للتشجيع على القراءة بين جميع الفئات المجتمعية، والحث عليها على غرار ما يحدث الآن في بعض الدول التي نظمت حملاتٍ ومهرجاناتٍ تحت اسم (القراءة للجميع)، وحددت له مدةً زمنيةً كافية، في محاولةٍ منها للقضاء على هذه المشكلة والإسهام في حلها بأن تكون هناك حوافز وهدايا ومكافآت تشجيعية للقراء المتميزين من أبناء المجتمع على مستوى الأُسرة والمدرسة والجامع والجامعة والنادي ومكان العمل وغير ذلك من المؤسسات والمرافق في المجتمع.