منظمة التجارة العالمية بين يديك (47)

 منظمة التجارة العالمية بين يديك (47)

[email protected]

(16) أوجه الاختلاف بين اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية

لم يقتصر الفارق بين اتفاقية الجات47 GATT 47 ومنظمة التجارة العالمية WTO على ما ورد أعلاه، بل اشتملت أوجه الاختلاف بينهما على العديد من السياسات التنظيمية والقانونية والإجرائية الأساسية على النحو التالي:
1 ـ ابتعاد اتفاقية الجات عن علاج السياسات التجارية الخاطئة التي كانت تمارسها الأطراف المتعاقدة، واستسلمت الاتفاقية لانتهاكات الدول أحكامها على حساب تشجيع انضمامهم إليها، بينما اتخذت المنظمة موقفاً حازماً في معالجة هذه السياسات عن طريق النفاذ Market Access لأسواق الدول الأعضاء فيها للتحقق من تطبيق مبدأ المعاملة الوطنية National Treatment في المجالات التجارية والاقتصادية والمالية كافة مثل تنظيم جباية الضرائب وتطبيق الأنظمة ذات العلاقة بالاتفاقات الأساسية المبرمة.
2 ـ فشل اتفاقية الجات في لمِّ شمل أطرافها المتعاقدة تحت سقف موحد من الأنظمة والقواعد والأحكام التي تفي بتنظيم جميع الموضوعات، حيث اقتصرت أعمالها على تجارة السلع فقط وتخفيض التعريفات الجمركية على الواردات السلعية، بينما نجحت المنظمة في إصدار الأحكام الملزمة لأعضائها كافة ضمن جملة من الاتفاقيات الخاضعة لمبدأ الالتزام الشامل الموحد Single Undertaking ذات العلاقة الوطيدة بالقطاعات الأخرى، مثل: الخدمات Services وحقوق الملكية الفكرية Intellectual Property Rights وتدابير الاستثمار المتصلة بالتجارة Trade and Investment والصحة الإنسانية والنباتية والحيـوانية Sanitary and Phyto-Sanitary والعوائق الفنية أمام التجارة Technical Barriers to Trade والتثمين الجمركي Customs Valuation ومكافحة الإغراق Anti-Dumping والدعم Subsidies والحماية الوقائية Safeguards وغيرها.
3 ـ ضعف اتفاقية الجات في معالجة السياسات المشوهة للتجارة التي كانت تنتهجها أطرافها المتعاقدة بسبب عدم توافر الآلية المناسبة للتقاضي وفض المنازعات التجارية التي بدأت تستفحل بين الأطراف كافة. بينما أنشأت المنظمة هيئة مختصة لحسم هذه المنازعات Dispute Settlement Body وهيئة أخرى للاستئناف Appelate Body، تبدأ في تلقي الشكاوى والنظر في الدعاوى عن طريق التشاور Consultation ومن ثم إصدار الأحكام الصارمة بحق الدول الأعضاء.
4 ـ اعتماد اتفاقية الجات في معلوماتها على ما يردها من أطرافها المتعاقدة من بيانات ومعلومات عن ممارساتها التجارية التي لا تميل إلى الدقة في أغلب الأحيان، بينما أنشأت المنظمة لهذه الغاية جهازا مختصا لمتابعة السياسات التجارية Trade Policy Review Mechanism لمراقبة ومراجعة جميع السياسات التجارية التي ينتهجها أعضاؤها دورياً (مرة كل عامين في الدول المتقدمة ومرة كل أربعة أعوام في الدول النامية ومرة كل ستة أعوام في الدول الأقل نمواً).
5 ـ كانت اتفاقية الجات اتفاقاً دبلوماسياً سياسياً بحتاً أسهم في تعزيز الاعتقاد السائد بين أطرافها المتعاقدة أن هذه الاتفاقية مرهونة بالقرارات السياسية التي تتخذها هذه الأطراف على الصعيد التجاري والتفسيرات الأحادية التي تنتهجها لإرضاء شعوبها والدفاع عن أسواقها، ما أدى ذلك إلى تفاقم الخلاف بين الدول حول قرار الكونجرس الأمريكي المعروف بالقسم 301 Section 301، وقرار دول الاتحاد الأوروبي القاضي باعتماد دعم الصادرات الزراعية، إضافة إلى الدعم الزراعي المحلي Aggregate Measures of Support. بينما جاءت المنظمة بأحكام قانونية بحتة، اعتمدت عضويتها على مدى تطابق أنظمة الدول الأعضاء فيها مع اتفاقيات المنظمة الأساسية، فانصهرت الأحكام التجارية التي تمارسها حكومات الدول الأعضاء في بوتقة نظامية متجانسة وتحت مظلة قانونية واحدة وفي ملعب مستو ومتعادل Level Playing Field. كما أكدت المنظمة على أن تفسير هذه الاتفاقيات الأساسية هو حق من حقوق مؤتمرها الوزاري فقط Ministerial Conference وأن تعديلها لا يتم إلا بالتراضي Consensus بين جميع الدول الأعضاء فيها.
لدى الإعلان الرسمي في جنيف بتاريخ 15 كانون الأول (ديسمبر) 1993 عن وفاة اتفاقية الجات وولادة منظمة التجارة العالمية، استغلت الدول فرصة إنشاء المنظمة عند اجتماعهم في مراكش يوم الجمعة 15 نيسان (أبريل) 1994، لتبادر 76 دولة فقط بتقديم طلبات انضمامها عن طريق تقديم جداول التزاماتها Schedules of Commitments في قطاعي السلع والخدمات قبل نهاية عام 1994، لتتربع هذه الدول على عرش تأسيس المنظمة في الأول من كانون الثاني (يناير) 1995. تلتها 41 دولة قامت بتقديم وثائقها خلال عام 1995، حيث تم اعتمادها، ليصبح عدد الدول الأعضاء في المنظمة 117 دولة بتاريخ 31 كانون الأول (ديسمبر) 1995، أما الدول الأخرى القابعة خارج النظام التجاري العالمي، فلقد آثرت التريث في مسيرة انضمامها إلى المنظمة، ليفرض عليها لاحقاً، بعد انقضاء عام 1995، ضرورة خوض جولات من المفاوضات التجارية الشاقة مع الدول الأعضاء المؤسسون للمنظمة، لتأمين استحقاقات العضوية.

الأكثر قراءة