رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


حراك الأولويات..احتواء الأزمة المالية أم الحفاظ على النمو والتنمية؟

بالأمس القريب نظمت غرفة تجارة وصناعة الرياض ملتقى حول الاقتصاد والإعلام، فكانت الأزمة المالية حاضرة في المحاور كافة تدغدغ وجدان الحضور والمحاضرين. واليوم يعقد الملتقى الدولي آفاق الاستثمار وإذا بمتحدث تلو الآخر يتناول التحديات التي تواجه اقتصادنا في ظل الأزمة المالية العالمية. لعل من المناسب القول إن الأزمة المالية العالمية حقيقة جاثمة ليس من الحكمة تجاهلها، لكن كل الحكمة في اختيار طرق ملائمة للتعامل معها. وملاءمة الطريقة تتفاوت من بلد إلى آخر، وليس من بين تلك الطرق السكون.
لقد كان تحرك خادم الحرمين الشريفين في هذه الأزمة لافتا، منذ بداية تحرك رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون قبل قمة العشرين الأولى، وبعد ذلك خطاب الملك أمام القمة وتحديده بكل وضوح أن السعودية ستزيد من إنفاقها العام وأنها ستلج في برنامج استثماري مداه خمس سنوات تقدر تكلفته بأربعمائة مليار دولار. وكانت رسالة المملكة لجميع الأطراف الخارجية أن موقف معالجة تداعيات الأزمة تكون أولا من قبل حكومة كل بلد على حدة، وأن النسق الدولي يأتي في المقام الثاني. أما على النطاق المحلي، فكان رد الملك على تداعيات الأزمة مباشراً: تخصيص المزيد من الإنفاق، حيث إن الإنفاق التقدير في الميزانية العامة للدولة للعام المالي الحالي مقدر بمبلغ 475 مليار ريال، مقابل إنفاق تقديري قدره 410 مليارات ريال لعام 2008. ولعل من المناسب بيان أن هذا الإنفاق يتجاوز بكثير ما ينفق على البابين الأول والثاني من الميزانية، أي إنفاق الحكومة على ذاتها وموظفيها، حيث يلاحظ أن المصروفات الرأسمالية أخذت منحى تصاعديا من 37.6 مليار في عام 2004 إلى 62.3 مليار في عام 2005، إلى 70.9 مليار في عام 2006، إلى 119.1 في عام 2007، والتصاعد مستمر في العامين الماليين 2008 و2009.
ولعل من المناسب بيان أن رؤية خادم الحرمين التنموية كانت ترتكز على استجلاب أساسيات التنمية وتقويتها ودفعها لتسهم في تنمية الإنسان، حيث تضاعف ما ينفق على تنمية الموارد البشرية في غضون خمس سنوات من نحو 49.6 مليار ريال في عام 2003 إلى 104.6 مليار في عام 2008. أما في حقبة الأزمة المالية فقد انطلقت تلك الرؤية لتواصل النهج ذاته ولكن بقوة دفع أكبر، وهذا ما يبرر المستويات المتصاعدة من الإنفاق.
وخلال تداعيات الأزمة المالية العالمية برزت عدة مدارس لاحتوائها. ولن أتناول ما يحدث في جنبات العالم فنحن نستيقظ على سماعه ونغفو على متابعته. أما رؤية الملك عبد الله بن عبد العزيز فتقوم على تقوية الذات عبر مزيد من الإنفاق الحكومي المقنن لتحديث وتوسيع واستكمال البنية التحتية ولبناء المزيد من المدارس ومراكز الرعاية الصحية الأولية والمستشفيات والطرق السريعة والطرق داخل المدن ومشاريع تحسين أواسط المدن من خلال مشاريع لنزع الملكية للمنفعة العامة.. وهذه ليست حزمة لمجرد زيادة الطلب، فهي وإن كانت تؤدي لزيادة الطلب غير أنها تؤدي في الوقت نفسه لتقوية محركات الاقتصاد المحلي بما يمكنه من زيادة سعته للنمو. وزيادة سعة الاقتصاد لا تتحقق - كما ندرك جميعاً - فقط من خلال الجسور والأنفاق وسكك الحديد، ولكن من خلال تنمية وتعليم وتدريب وتأهيل وتثقيف وانفتاح الإنسان.. ولذا، نجد المملكة تسابق الزمن لإعداد مواردها البشرية، فلم تنتظر حتى تتمكن جامعاتنا من بناء الطاقة الاستيعابية الكافية بل أرسلت آلاف الطلاب والطالبات إلى أفضل جامعات العالم ليصبحوا عند عودتهم قادرين على القيام بواجبهم للمساهمة في بناء بلدهم.. ولعل من المبالغة القول إن مملكتنا تدرك أن الاستراتيجية الأنسب لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في المدى الطويل هو ليس تنويع الاقتصاد المحلي كيفما اتفق، بل أن يتحقق ذلك عبر تعزيز الميزة التنافسية لمواردنا البشرية المواطنة، انطلاقا من أن المورد البشري المواطن هو مورد غير ناضب بوسعنا أن ندفع به ليحقق لمملكتنا الحقبة الأهم من التنمية، المعتمدة على عطاء المواطن وإبداعه.
وعلى الرغم من أهمية التطلع إلى المستقبل، وتقويم آليات التعامل مع التحديات المتعددة، والتي منها الأزمة المالية العالمية.. إلا أن الحلم بتحقيق تنويع اقتصادي يرتكز إلى تنمية صناعية مازال قائما رغم أنه يتحقق كل يوم.. فتنمية الصناعة التحويلية غير النفطية كانت حلماً، لكننا نجدها تسهم بنحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة، ومازالت وتيرة نمو تلك الصناعة تتصاعد عاما بعد عام، فعلى الرغم من تداعيات الأزمة المالية، نجد أن تأثيرها إجمالا في صناعة البتر وكيماويات السعودية كانت –بصورة أساس- ناتجة عن تدني السعر أكثر من تراجع الطلب عليها. والرؤية (الحلم) مازالت قيد الإنجاز باعتبار التوسعات المتتابعة ومنها جبيل الثانية والتوسعات في البنية التحتية والمرافق.
وهكذا، نجد أن ملكنا مشغول بتحقيق رؤية التطوير والتنمية للبلاد من خلال الانطلاق إلى الأمام، وأن هذا الانطلاق ليس قائما على شرط.. فالأزمة المالية تستوجب تعاملاً ناجزاً للمحافظة على انطلاق الاقتصاد السعودي، إذ إن المحافظة على جذوة الانطلاق والنمو الاقتصادي غير المنقطع منذ بداية الألفية هي التي جعلت الاقتصاد السعودي أحد مناطق الجذب التي تكسر العتمة التي بثتها الأزمة العالمية في الآفاق. ماذا نفعل للتعامل إيجابيا مع تداعيات الأزمة المالية؟ الإجابة المختصرة: نواصل حركتنا الدائبة لتحقيق هدفنا الأبعد لتحقيق ميزة عالمية لاقتصادنا الوطني تقوم على سواعد وعقول مواطنيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي