كيف نتحكم في ضغوط العمل قبل أن تحطم حياتنا؟
نقضي جزءا كبيرا من أوقاتنا في العمل, وخلال ساعاته تواجهنا ضغوط تراوح بين هينة لينة يمكن إدارتها والتحكم فيها, وأخرى عنيفة قاسية تخرج عن سيطرتنا وقد تفقدنا صوابنا, وحتما تأخذ ثمنها من أنفس ما نملك وهي صحتنا، وتؤدي بنا إلى نهج سلوكيات غير حميدة, مثل: الغياب والتأخير، ضعف العلاقات مع الآخرين، التعرض المتكرر للحوادث, خصوصا من كانت طبيعة عمله حرفية، الإفراط في التدخين، تعاطي المخدرات، والضحك الهستيري، ناهيك عن إفراز كثير من الصراعات والعداوات.
ولكن ماذا يقصد بالضغوط؟ وما الدلائل على وجود ضغوط وظيفية؟ وما الشخصيات التي عادة ما تكون مصدر ضغوط العمل؟
يرى ناصر العديلي صاحب كتاب" إدارة السلوك التنظيمي," أن الضغط مصطلح فيزيائي يعني المضاعفات التي تؤثر في حركة ضغط الدم، أما علماء النفس فيرون أن الضغوط تعني المطالب التي تجعل الفرد يتكيّف ويتعاون لكي يتلاءم مع من حوله، ويطلق بعضهم على الضغوط اسم "أمراض التكيف".
وعند مواجهة الإنسان الضغوط فإنه عادة ما يمر بثلاث مراحل, المرحلة الأولى: هي ما يسمى بمرحلة "أعراض الشعور بالخطر"، وهي المرحلة التي تظهر فيها أعراض ودلائل تشعر الإنسان بأنه يعاني ضغوطا, فبعضهم يواجه ضغوطا وظيفية دون علمه, فهذه الأعراض تدق ناقوس الخطر تخبره بأن هناك شيئا ما في جسده ينحرف عن مساره, مثل: زيادة ضربات القلب، جفاف الفم، الأرق، فقدان الشهية، ضيق في التنفس، الاندفاع، قلة التركيز، والقلق, وتزول هذه الأعراض بزوال السبب. أما إذا لم تنته المسببات فسوف ينتقل إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة "التكيف"، وهنا يحاول الإنسان التكيف مع الضغوط وكأنها جزء من حياته, وبعضهم يستطيع ذلك, إلا أن فئة من الموظفين يصعب عليها التكيف وتستمر معها الأعراض, فإذا كنت من هذا النوع يجب أن تتوقف عن محاولة التكيف وأن تتجنب مصادر الضغوط، عن طريق تغيير منهجية عملك أو طبيعته، أو الاستمتاع بإجازة حتى لو لم يحن موعدها، أو أي تصرف آخر يزيل هذه الأعراض دون العقاقير، لأن مثل هذه الضغوط تهدد أنفس ما تملك وهي صحتك، فمن الحماقة أن نكسب النجاح والمال ونخسر الصحة.
وإذا لم تفعل شيئا جراء هذه الدلائل والتحذيرات وبقيت تناضل في محاولة التكيف, فإن هذا سيقودك إلى المرحلة الثالثة, وهي ما يعرف بمرحلة "ظهور آثار الإجهاد"، حيث تنعكس آثار الضغوط في شكل الشعور بالاكتئاب، القلق المزمن، سرعة الغضب، النسيان، والانقلاب المزاجي، فترى الموظف هادئ الطبع يصبح عدائيا ومتقلب المزاج مزدريا الآخرين, وفي النهاية قد يصاب بانهيار عصبي. وهذه الآفات تجر معها الأمراض العضوية الشائعة, كضغط الدم، قرحة المعدة، داء السكري، آلام المفاصل، وأمراض الشرايين وغيرها كثير.
وأكثر الموظفين الذين يتسببون في ضغوط العمل لأنفسهم ولزملائهم هم الأفراد الذين يتصفون بداء العجلة Hurry Sickness, أي (نفاد الصبر على النمط البطيء في الحياة) كما يفسرها الدكتور أحمد عبد الوهاب. يري علماء السلوك التنظيمي أن هذا الشخصية تكافح بضراوة من أجل إنجاز كثير من الأعمال في وقت قليل, ويفضلون الانشغال بعدد من المهام في وقت واحد, وهم عادة ما يتذمرون من النمط البطيء في الحياة.
ومن علامات مرض العجلة: قلة الصبر عند التحدث مع أفراد يتكلمون بهدوء, حيث يقوم من يتصف بهذا المرض باستكمال الجملة التي يبدأها الطرف الآخر، الحرص الشديد على وقت العمل, ويرى أن ثماني ساعات أو أكثر غير كافية لإنهاء المهام, فتراه قابعا في مقر عمله إلى ساعات طويلة قد تستمر إلى منتصف الليل، يفقد صوابه عند حدوث أي عطل مهما كان بسيطا، كما أن هذا النوع لا يلاحظ مؤشرات ودلائل ضغوط العمل التي تكلمنا عنها وهي تنهش جسده.
وهذا النوع أكثر تفوقا وامتيازا في الإدارة الوسطى وفي الأنشطة الميدانية كالبيع والإعلان ونحوها, إلا أنهم يخفقون في الوصول إلى قمة المنظمة لأنهم لا يستطيعون الموازنة بين بدائل القرار التي تحتاج إلى الحكمة والروية، كما أنهم يعملون باجتهاد إلا أنهم لا يعملون بأناقة, وعادة ما يكون هذا النوع راضيا جدا عن العمل ومولعا به، ولا يمانع في تقلد عدة وظائف في آن واحد. وقد أثبتت الدراسات أن احتمال إصابة هذه النوع بأمراض القلب تعادل ستة أضعاف احتمال إصابة الشخصيات الأخرى.
وبقي لنا أن نقول: إن الحياة الوظيفية لا تعفينا من بعض الضغوط نتيجة سلوك شاذ يصدر من زميل مشاكس، أو رئيس جاهل، أو نظم وأعراف وقيم بالية، ولا نريد أن نخرج منها وقد أخذت منا أكثر مما أعطتنا. فكيف إذا نتحكم في ضغوط العمل قبل أن تحطم حياتنا؟ وكيف نجعل أوقاتنا في العمل ذكريات عذبة وساعات حالمة؟ إذا أردت ذلك فما عليك سوى الاطلاع على كتب السلوك الإنساني في المنظمات, وحضور الدورات التي تكسبك مهارات التحكم في ضغوط العمل وطرق التعامل مع شواذ القياديين والعاملين وكيفية ترويضهم.