الأمير والأمين وتنمية المناطق
"الأطراف الإتلاف" مقولة دائما ما نسمعها من سكان المناطق الحدودية والذين ينتقل أبناؤهم للمناطق الثلاث (الرياض، الغربية، الشرقية) للسكن والعمل لأنها المناطق التي تشهد نموا كبيرا في جميع المجالات مقارنة بالمناطق الأخرى.
سكان المدن الرئيسة من طرفهم أصبحوا يفكرون في الهجرة المعاكسة على اعتبار أن التنمية في هذه المناطق باتت لا تتواكب مع معدلات النمو السكاني فيها والطلب المتزايد على السلع والخدمات والوظائف حتى باتت تكاليف الحياة باهظة والخدمات تنخفض جودتها يوما بعد يوم، والوظائف هي الأخرى تندر أمام جيوش الشباب المقبلين إلى سوق العمل فضلا عن الزحام الذي يتفاقم بشكل كبير كل سنة.
التنمية المتوازنة هي الحل بكل تأكيد لهؤلاء وهؤلاء، حيث يتم استثمار جغرافية وتاريخ كل منطقة ومواردها الطبيعية وميزاتها التنافسية ومواردها البشرية لتنميتها بما ينشطها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا لإيجاد القيمة لكل مواردها (أرض، موارد طبيعية وبشرية، تراث،... إلخ) التي تسهم في رفع مستوى المعيشة فيها بالمحصلة بما يقلص الفجوة بينها وبين المدن الرئيسة من حيث جودة الحياة ووفرة الفرص الاستثمارية والوظيفية.
ولكن مسؤولية من تنمية كل منطقة من مناطقنا الـ 13؟ بكل تأكيد هي مسؤولية مشتركة بين عدة أطراف ابتداء من القيادة وانتهاء بالمواطن أيا كان وضعه ومستواه، ولكن السؤال من الجهة المبادرة دراسة وتخطيطا وتنفيذا وإشرافا ومتابعة لتحقيق التنمية في كل منطقة؟
في حوارات أخوية مع الكثير من الأصدقاء كانت الإجابات تقول إنها مسؤولية أمير المنطقة، وأخرى تقول إنها مسؤولية أمين المنطقة، وبالمحصلة توصلنا إلى أنها مسؤولية الأمير بالتكامل مع الأمين، فالأمير هو الحاكم الإداري وهو الأب لكل فرد يقطن هذه المنطقة، فهو يسعى لأن يعيش أبناؤه أفضل مستوى معيشي ممكن من حيث توافر الخدمات الأساسية من تعليم وعلاج وإسكان وغذاء وماء، ومن حيث سهولة الحياة في المنطقة ومستوى الأمن والطمأنينة فيها، ومن حيث توافر الفرص الوظيفية والاستثمارية، وذراعه اليمنى الأمين المسؤول عن تخطيط وتوزيع استخدامات الأراضي في المنطقة والتي تلعب دورا كبيرا في تحفيز أو تثبيط التنمية في مجالاتها كافة، والمسؤول أيضا ومن خلال أمير المنطقة على حث الأجهزة الحكومية للاستفادة مما هو مخصص لها لتقديم خدماتها، وحث مجتمع المنطقة من مؤسسات وأفراد لاستثمارها، وهو ما لا يدركه الكثير من أمناء المناطق وللأسف الشديد حيث يحصرو أعمالهم في تسيير الأعمال اليومية دون رؤية واضحة ودون معرفة متكاملة برسالتهم الرئيسة في تنمية المنطقة.
وما أثبت لي ما ذهبنا إليه خبر نشرته صحيفة "الحياة" بتاريخ 24/04/2009م مفاده أن أمين جدة المهندس عادل فقيه قال في ورشة عمل لدراسة الأوضاع الاقتصادية لمنطقة مكة المكرمة التي أعدتها الأمانة بالتعاون مع الهيئة العامة للاستثمار إن أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل كلفهم بذلك بهدف دراسة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة مكة المكرمة، وإيجاد مبادرات تنموية لتوفير فرص عمل جديدة في كل محافظات المنطقة.
الأمير والأمين في تكامل وتناغم لإيجاد مبادرات تنموية وتوفير فرص عمل وبكل تأكيد فرص استثمارية أيضا، فالأمير خالد الفيصل الذي يحمل هم المواطن بروح الأب الحنون المتطلع لحياة أفضل لأبنائه من المواطنين يوجه ويزور ويتابع ويحث ويطالب ويستنهض الهمم، وأمين المنطقة الذي يرأس اللجنة الاقتصادية في منطقة مكة المكرمة - وهو في ظني حق لكل أمين منطقة بحكم أهمية دوره وحيويته - ينفذ بروح معطاءة وبفكر ابتكاري وإبداعي متميز يتناسب ورؤية الأمير خالد الفيصل الذي يصبو إلى أن ننتقل إلى العالم الأول، وهي رؤية نقدرها جميعا ولن نتوان في بذل الجهد للوصول لها ـ بإذن الله ـ.
الأمين عادل فقيه لم يقم بالتنفيذ مباشرة، حيث اتجه للدراسات أولا، واستعان بخبرات هيئة الاستثمار والمكاتب الاستشارية المتخصصة، ولم يقل إن هذه تكاليف لا داعي لها، كما يقول كثير، وهذا سلوك حضاري ينم عن معرفة تامة بأهمية الدراسات والبحوث للوصول إلى أكثر الطرق كفاءة لتحقيق الأهداف في أسرع وقت وأقل جهد وتكلفة بخلاف ما يفعل البعض من صرف مباشر على كل ما هو ملموس دون رؤية واضحة تستند إلى معرفة شاملة بالمعطيات ما يجعل الكثير من الأموال تذهب هباء منثورا وتتعطل المشاريع ويصبح زمن التنفيذ لا سقف له، كما هو حال كثير من المشاريع التي تتوقف لشهور دون أن نرى عاملا واحدا يعمل فيها.
أمير مكة أصبح على بينة من دراسة حددت العوائق والتحديات والفرص والإمكانات التنموية في كل محافظة للمنطقة، والأمين يقترح إجراءات استراتيجية للتغلب على المعوقات نحو النمو الاقتصادي وطرح فرص استثمارية ووظيفية، وهو ما سينهض بالمحصلة بمنطقة مكة بالصورة التي ننشدها جميعا.
ختاما أقول بكل تأكيد إن هذا التكامل بين الإمارة والأمانة في منطقة مكة المكرمة لتحقيق الأهداف التنموية بشكل مستدام نلمسه نحن في منطقة الرياض، ويلمسونه آخرون في مناطقهم، ولكن كلنا أمل أن يلمسه جميع المواطنين في كل مناطق بلادنا العزيزة من أجل تنمية مستدامة وشاملة ومتوازنة لتحقيق التوزيع الديمغرافي المنشود في أنحاء بلادنا العزيزة كافة.