الغرب .. الحشف وسوء الكيل

الحشف هو الرديء من التمر حيث يكون ناشفا وضعيفا جدا، ويفتقد الطعم الجيد واللذيذ الذي نجده في التمر العادي، ويضرب المثل "حشف وسوء كيل" عندما يسوء تصرف شخص، وبصورة عمدية، ويكون هذا الشخص على قدر من سوء الخلق، وسوء التصرف، فمثلا عندما يكون موظف قليل الإنتاجية في مجال عمله، ويغيب ويسيء التعامل مع زملائه, ففي مثل هذه الحالة يناسب ضرب المثل في حقه. في يوم الإثنين الموافق العشرين من نيسان (أبريل) عام 2009 عقد في جنيف في سويسرا المؤتمر الثاني لمكافحة العنصرية، والذي تعقده الأمم المتحدة بعد المؤتمر الأول الذي عقد عام 2001 في ديربان في جنوب إفريقيا، وقاطع كثير من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة المؤتمر بحجة حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المؤتمر، وإلقائه كلمة أمام المؤتمرين، وقد أسف أمين عام هيئة الأمم المتحدة بانكي مون لمقاطعة بعض الدول هذا المؤتمر، وعبر عن خيبة أمله الشديدة, إذ يجدر بالجميع الحضور، وإبداء الرأي، لكن المصالح والإصرار على ممارسة العنصرية السبب الرئيس في مقاطعة هذه الدول المؤتمر.
العنصرية في مفهومها البسيط هي الممارسة التي تحرم طرفا آخر من حقوقه بناء على عرقه، أو بشرته، أو دينه، أو جنسه، وهذه الممارسات للغرب تاريخ حافل فيها حين استعمر كثيراً من الدول ونكل بشعوبها، واضطهدها بل هجرها لدياره لتخدمه وتعمل في مزارعه بصورة عبودية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، حتى الستينيات من القرن الماضي كان السود في الولايات المتحدة يمارس ضدهم أبشع الممارسات العنصرية من تخصيص حافلات، وأحياء، ومدارس، ومنعهم من دخول بعض المطاعم, بل إن بعض المطاعم كان يكتب عليها ممنوع دخول السود والكلاب.
شاهدت وشاهد الملايين من الناس الخروج الجماعي لممثلي دول الاتحاد الأوروبي أثناء إلقاء الرئيس الإيراني خطابه وحديثه عن وجود حكومة عنصرية على أرض فلسطين، ولعل مشهد الأوروبيين، وهم يغادرون قاعة المؤتمر يثير كثيرا من التساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء هذا التصرف، هل هذه الكلمة "إسرائيل" لها هذا المفعول السحري الذي يجعل الغربيين مغرمين بإسرائيل، ولهذه الدرجة التي تدعوهم لمقاطعة المؤتمر؟ أم أن هذا التصرف هو دفاع عن النفس تمليه مشاعر شعورية ولا شعورية, فالغرب هو الذي ساعد على قيام دولة الكيان الصهوني ودعمه ماديا, سياسيا، عسكرياً، وبشرياً حيث هاجر معظم اليهود من الدول الأوروبية، ومن أمريكا إلى فلسطين. بعد حديث نجاد إلى المؤتمر مباشرة صدرت ردود فعل شديدة من قبل مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة في جنيف حيث وصف خطاب نجاد بالمعيب، والمشين، والحاقد، أما الرئيس الفرنسي ساركوزي فقد وصف خطاب نجاد بأنه يدعو إلى حقد عنصري، ويضرب عرض الحائط بالمثل والقيم المدرجة في الشريعة الدولية لحقوق الإنسان, مبينا أن هذا الخطاب يحرج فرنسا التي تشارك في المؤتمر, مؤكدا ضرورة ألا ينطوي بيان المؤتمر الختامي على أي تحامل على إسرائيل، يا لها من قيم تلك التي تسلب أرض قوم وتعطيها لآخرين لا لشيء إلا أنهم يماثلونهم في اللون وتربطهم بهم روابط دينية.
عجب أمر هؤلاء الغربيين، يمارسون الإرهاب ويتهمون غيرهم فيه، ويمارسون العنصرية ويرمون بها الآخرين، وينتجون أسلحة الدمار الشامل، ويعترضون على إنتاج الآخرين طاقتهم، ويوجدون دولة بعد طرد أهلها الأصليين، ولا يريدون للضحية أن تعبر عن مشاعرها أو رفضها ممارساتهم العنصرية، يريدون الضحية أن تسكت عن ممارساتهم، وتصفق لهم، وتهتف بحياتهم، أما إن لمسوا من الضحية ولو رفضاً بسيطاً لممارساتهم فالويل كل الويل لهم. الغرب يرفع شعار العقلانية، والحوار وحقوق الإنسان, فهل فكر مندوبو الاتحاد الأوروبي في تصرفهم وهم يغادرون قاعة المؤتمر؟ وهل تصرفهم عقلاني؟! العقلانية تعني مقارعة الحجة بالحجة، والرأي بالرأي، ما الذي منع أولئك المقاطعين للمؤتمر، الذين خرجوا من القاعة من الحضور والرد بالمنطق والعقل؟ إذا كان لديهم حجة ورأي سديد ومقبول فأعتقد أنهم سيحرجون الرئيس الإيراني وغيره ممن يصفون الغرب بالعنصرية، لكن سطوة الكلمة السحرية "إسرائيل" تجعلهم لا يحتملون سماع انتقاد إسرائيل لأن وصف إسرائيل بالعنصرية وفكرة وجودها من الأساس فيه قدح كبير في أوروبا، وتاريخ أوروبا، بل في الحضارة الغربية. قيام إسرائيل وممارساتها منذ نشأتها يمثل وصمة عار لأوروبا، وإسقاطاً للقيم الإنسانية التي يدعونها، ويدعون إلى تبنيها. تساءلت عن سر هذه الكلمة السحرية التي تستدعي الأوروبيين، والولايات المتحدة إلى الاستماتة في الدفاع عنها، وعدم السماح بانتقادها، ولم أجد سوى ثلاثة أمور ربما يفسر أحدها أو تفسر مجتمعة هذه الحساسية تجاه نقد إسرائيل، أو النيل منها. الأمر الأول يتمثل في المصالح التي تربط الغرب بإسرائيل، وبالأخص المصالح الاقتصادية ذلك أن وجود إسرائيل على الأرض العربية من شأنه زيادة صادرات السلاح إلى العالم العربي بحجة محاربة إسرائيل رغم أنه لا يستخدم في مواجهتها, بل يستخدم في مواجهات ومعارك عربية ـ عربية، أو مواجهات داخلية، داخل كل دولة من الدول العربية، ولذا سعى الغرب لغرس الكيان الصهيوني على أرض فلسطين لتشكل حافزاً على عدم استقرار المنطقة، أما الأمر الثاني فهو التخلص من اليهود، وإبعادهم عن المجتمعات الغربية، وإرضاؤهم بإيجاد وطن لهم خارج أوروبا، أما الأمر الثالث الذي نفسر به هذه الاستماتة للدفاع عن إسرائيل فهو أساس عقدي, إذ إن المسيحيين يؤمنون بأن عودة المسيح ـ عليه السلام ـ سيكون عند قيام إسرائيل، وهم بهذه الأفعال الداعمة لإسرائيل يعتقدون أنهم يسرعون في عودة المسيح، كما أن مشاعر الحروب الصليبية لا تزال تجري في عروق الأوروبيين، ووجود إسرائيل يرضي هذه المشاعر. فهل نفهم لماذا يرفع الغرب شعار محاربة العنصرية نظرياً ويمارسونها على أرض الواقع مع غيرهم؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي