مدينة عسير الاقتصادية للسياحة (1 من 2)
إيماناً من الدولة بأهمية مشاركة جهات الاستثمار الخاصة في دفع حركة التنمية من خلال الاستفادة من الفرص المتاحة، والتي تتميز بها المملكة من جهة توافر الموارد المتاحة، ومن جهة الرعاية الحكومية بما يقدم من تسهيلات، ولذلك فقد دأبت الهيئة العامة للاستثمار على تقديم المساعدة للتخطيط ودعم العمليات التأسيسية لإنشاء المدن الاقتصادية المتخصصة، ما نتج عنه بزوغ شمس مجموعة من المدن الاقتصادية في عدد من مناطق المملكة امتازت كل واحدة منها بتقديم دور يستفيد من إمكانات وخصائص المنطقة التي وجدت بها، فمن المدن التي تهتم بالصناعات الثقيلة إلى المدن التي تهتم بالنقل والدعم اللوجستي وغيرها، هذا التنوع في مواطن الاستثمار سيساعد على التركيز على النوعية والجودة في قيام المشروعات وسيسهم في إيجاد قاعدة متنوعة من الاستثمارات المتخصصة.
في هذا الخضم النوعي من الاستثمار والأنشطة المصاحبة، تكون الحاجة ملحة لتبني بعض الأنشطة السياحية والترفيهية التي تلبي الطلب المتزايد على الخدمات السياحية المختلفة في سوق يبلغ فيه الإنفاق على السياحة الخارجية سنويا ما يقارب أربعين مليار ريال، حيث يعد السوق السياحي من أكبر قطاعات السوق المحلية. وهنا لا نتحدث عن السياحة بمفهومها البسيط المطبق ولكن بمفهوم السياحة الاحترافية، التي تقدم مختلف الخدمات السياحية، بناء على جغرافية وإمكانات المنطقة الحاضنة لهذا النشاط الخدمي الرائد. هذا وتشمل الأنشطة السياحية أنواع مختلفة من المنتجات التي تلبي مختلف الاحتياجات كإقامة المناسبات العامة، والسياحة الدينية للاستفادة من الأماكن المقدسة سياحيا، والسياحة العلاجية، والسياحة الترفيهية، والسياحة البيئية، والسياحة العلمية وعديد من الخدمات السياحية الأخرى التي يمكن تقديمها لمختلف الفئات المستفيدة. وهنا أقتبس من تصريح الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار حين ذكر "إن قضية الهيئة لم تعد إقناع المواطن بأهمية السياحة، بل اللحاق بتطلعاته وتلبية احتياجاته". وهذا فيه دلالة واضحة على مستوى الوعي الذي حققته الهيئة في مجال تطوير وتنظيم القطاع السياحي ليكون قطاعا ملبيا لحاجات وتطلعات المواطن، وليسهم بفعالية في تغذية الاقتصاد الوطني الذي سيقود لزيادة تشغيل الأيدي العاملة الوطنية، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة، وتطوير القطاع الاستثماري في نشاط السياحة.
بناء على ما تقدم فإن الصناعات والنشاطات المرتبطة بالسياحة لا تنحصر في توفير المسكن الملائم أو توفير المتنفس السياحي بل تتعدى ذلك، فتشمل الصناعات المرتبطة بالسياحة، ومنها على سبيل المثال تطوير الوجهات والمواقع السياحية، مشاريع المساكن والنزل البيئية والاستراحات الريفية، مشاريع تنظيم الوفود والرحلات السياحية، مشاريع الإرشاد السياحي والترفيهي، مشاريع التدريب والتعليم السياحي، وكالات السفر، الاستثمار في الأجواء والمشاركة بالوقت، مشاريع الأنشطة والفعاليات السياحية، مشاريع الفنادق والقرى التراثية، مشاريع إقامة وإدارة المؤتمرات والمعارض، مشاريع تأهيل الأسواق الشعبية والحرفية، مشاريع النقل السياحي والمدن الترفيهية، مشاريع الاستراحات على الطرق السريعة، الخدمات المساندة للأنشطة السياحية، التموين والاتصالات، وغير ذلك كثير من الأنشطة المرتبطة بالسياحة، التي أدرجها الموقع الإلكتروني المميز للهيئة العامة للسياحة والآثار.
إن توافر البيئة الملائمة لاستقطاب النشاطات السياحية المختلفة في منطقة واحدة يمنحها قدرا كبيرا من الميزات التنافسية، فمناطق المملكة تمتاز بتوافر المقومات الطبيعية المختلفة التي تهيئها لاحتضان الأنشطة الاستثمارية والسياحية المتعددة، ومن بين هذه المناطق منطقة عسير ذات الموقع الغني بالتضاريس المختلفة التي تلبي الحاجات المتباينة للأفراد، ما سيساعد على قيام صناعة سياحية احترافية تسهم في تحقيق تطلعات وآمال المسؤولين وتتماشى مع خطط واستراتيجيات إنشاء المدن الاقتصادية. فمنطقة عسير تقع على مساحة شاسعة تمتد من صحراء الربع الخالي شرقا إلى البحر الأحمر غربا، وتغطي مساحة تقارب الـ 80 ألف كيلومتر مربع. وهنا اختلاف التضاريس سيخدم التنوع في طبيعة ونوعية المشاريع الاستثمارية، فمن المواقع الصحراوية إلى قمم الجبال الشاهقة نزولا للمناطق الساحلية ذات المناظر الخلابة. إن هذا الاختلاف التضاريسي لهذه الرقعة يعكس تميزا في طبيعة المكان ليلبي حاجات ورغبات مختلف الفئات السياحية. إضافة إلى ذلك فإن من أكثر ما يميز أهل هذه المنطقة هو حبهم لأرضهم واهتمامهم وإكرامهم لضيوفهم. وتمتلك عسير أيضا المنتزهات الطبيعية والأماكن الأثرية والاستشفائية، وتتميز أيضاً فيما تقدمه من أكلات وفنون وصناعات مختلفة.
تم إنشاء الهيئة العامة للسياحة والآثار للإشراف على النشاط السياحي في المملكة وتنميته كخيار استراتيجي للاستفادة من كثير من الميزات التي حباها الله لبلادنا العزيزة، فالهيئة منوط بها التنظيم والترويج للأنشطة السياحية والاهتمام بمناطق الآثار ومحتوياتها وتنميتها وإشهارها. كل ذلك يفترض أن يسهم في خلق بيئة سياحية راقية تهتم وتراعي القيمة التاريخية لهذه المناطق والترويج عنها وتنميتها كأحد روافد الاقتصاد الوطني، ومن هذا المنطلق، فالهيئة تهتم أيضا بتنمية الاستثمار السياحي من خلال طرح الفرص الاقتصادية المختلفة للاستثمارين المحلي والأجنبي لتنمية هذا القطاع وتطوير فرص التنافسية فيه. فالهيئة قامت وتسير بخطى حثيثة لاستقطاب رؤوس الأموال للمساهمة في بناء وتطوير النشاط السياحي بما يتوافق والتطلعات المأمولة. وهنا يتضح لنا بأن الهيئة لا تقوم بالدور الاستثماري بنفسها، ولكنها تقوم بدور محوري مهم لتنظيم القطاع السياحي والمحافظة عليه، وتقديم الإرشاد الكافي للمستثمر، كما أنها تقوم بالمحافظة على موارد الوطن ومقتنياته من خلال المراقبة والإشراف على قطاع السياحة والآثار. والمتطلع لدور القطاع السياحي في حلقة الإنتاج الوطني، يلاحظ أن من أهم أسباب ركود الاستثمار السياحي ومحدوديته، هو عدم توافر الممول القادر على دفع عجلة الاستثمار السياحي للمستوى المتقدم.
في المقال القادم، سيكون الحديث بإذن الله عن منطقة عسير والخصائص التي تمتاز بها لتكون بيئة خصبة لاستقطاب الاستثمار السياحي بصورته الاحترافية.