رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الـ 100 يوم الأولى لأوباما اقتصادياً

بعد عدة أيام يكمل باراك أوباما 100 يوم رئيسا للولايات المتحدة، وجرت العادة في الإعلام الأمريكي على اعتبار مضي هذه المدة توقيتا مناسبا لتقييم مستوى أداء الرئيس الجديد ومدى قدرته على تنفيذ برنامج إدارته ومصداقية ما وعد به الناخبين خلال حملته الانتخابية. ولا شك في أن الرئيس الجديد يواجه تحديات غير عادية ويواجه إرثا ثقيلا محلياً ودولياً. فعلى المستوى المحلي أزمة القطاع المالي مازالت تحكم قبضتها على الاقتصاد الأمريكي من خلال استمرار نمو معدلات البطالة وانكماش الاقتصاد. وعلى المستوى الدولي فقدت الولايات المتحدة كثيرا من سلطتها الأخلاقية وقوتها الناعمة خلال فترة رئاسة بوش الابن، لارتباطها في أذهان كثير في العالم بالتعذيب وخرق حقوق الإنسان بعد أن كانت في نظر معظم العالم أكبر حامية لها، كما تورطت الولايات المتحدة في حربي استنزاف لا يبدو أن لأي منهما نهاية سريعة أو مشرفة.
الرئيس أوباما استبق الحدث قبل أيام وأعطى تقييماً ذاتيا لأداء إدارته في الجانب الاقتصادي في خطاب ألقاه في جامعة جورج تاون في مدينة واشنطن، تحدث فيه عن أهم إنجازات إدارته خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كما حدد أركان استراتيجيته الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة. والحقيقة أن ما تم إنجازه حتى الآن في الجانب الاقتصادي يعد متميزاً سواء من حيث كثافة الجهد المبذول أو السرعة التي تم بها كل ذلك، فالرئيس روزفلت إبان الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي لم يستطع الحصول على موافقة الكونجرس الأمريكي على خطة التحفيز، التي سميت في ذلك الوقت برنامج الأعمال العامة، إلا في آب (أغسطس)، أي بعد ما يزيد على سبعة أشهر من انتخابه، بينما استطاع أوباما أن يحصل على موافقة الكونجرس على خطته للتحفيز الاقتصادي البالغة قيمتها 787 مليار دولار خلال بضعة أسابيع فقط من توليه الرئاسة. وإضافة إلى خطة التحفيز، هناك خطة شراء ديون البنوك المسمومة ما يسهم في إعادة رسملتها وبالتالي معاودتها الإقراض من جديد، وتخصيص 275 مليار دولار للحد من مشكلة سحب المنازل ومساعدة المتعثرين في سداد قروض الرهن العقاري، ووضعت خطة لإنقاذ صناعة السيارات الأمريكية، وتم الحصول على موافقة الكونجرس على ميزانية جديدة يقدر العجز فيها بأكثر من 1.5 تريليون دولار، وهناك قناعة أن الولايات المتحدة نجحت في قمة العشرين في بناء تحالف دولي للتعامل مع أزمة المال العالمية وزيادة قدرة الدول النامية على تجاوز هذه المرحلة. ما يجعل من الممكن القول إن الإدارة الأمريكية الجديدة حققت الكثير في الجانب الاقتصادي خلال فترة الـ 100 يوم الأولى من عمرها، إلا أن هذا لا يعني أن الاقتصاد الأمريكي والعالمي أقرب إلى الخروج من هذه الأزمة، وإنما فقط يظهر أن الإدارة الأمريكية الجديدة زرعت جوا من الثقة بقدرتها على التعامل مع المشكلة بصورة قد تساعد مستقبلا على تسريع عملية خروج الاقتصاد العالمي منها.
الرئيس الأمريكي في خطابه في جامعة جورج تاون حدد أيضا خمسة أركان لاستراتيجيته الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة، وهي استراتيجية طموحة نجاحها في تحقيق حتى بعض منها سيمثل تحديا كبيريا ومهمة شاقة. أول هذه الأركان الخمسة وضع تشريعات جديدة للقطاع المالي تضمن عدم تكرار هذه الأزمة مستقبلا، كما تضمن أن تكون المكافآت في هذا القطاع على الإبداع والعمل الجاد وليس على التهور والمبالغة في أخذ المخاطر، واستثمارات في التعليم تجعل قوة العمل الأمريكية أكثر مهارة وقدرة على المنافسة، واستثمارات في الطاقة المتجددة تسمح بخلق صناعات وفرص عمل جديدة في الاقتصاد الأمريكي، واستثمارات في القطاع الصحي تسهم في تخفيض تكلفة العناية الصحية على الأفراد وقطاع الأعمال، والعمل على تحقيق وفورات في الميزانية الفيدرالية، ما يضمن تخفيض الدين العام بعد انتهاء هذه الأزمة.
استطلاعات الرأي التي أجريت أخيراً في الولايات المتحدة تظهر أن شعبية الرئيس قد تفوق حتى شعبية سياساته، وأن معظم الناخبين يعتقدون أن ما حققته إدارة أوباما حتى الآن يتناسب مع توقعاتهم أو يفوقها، وكلها مؤشرات على ما يتميز به الرئيس الجديد من قدرة على خلق تصور بقدرته على التعامل مع المشكلات المستعصية وكل ذلك يتم بهدوء وعدم انفعال، ما جعل البعض يطلق عليه No Drama Obama، في إشارة إلى ردة الفعل المتزنة التي يبديها نحو الأحداث من حوله، ما يخلق جو من الثقة بقدرته على التعامل معها، التي تجلت بصورة واضحة إبان الحملة الانتخابية عندما أعلن آنذاك المرشح الجمهوري جون ماكين أنه قرر إيقاف حملته الانتخابية والعودة إلى واشنطن للمساهمة في حل الأزمة المالية، بينما رفض أوباما توقيف حملته الانتخابية أو حتى تأجيل المناظرة التلفزيونية قائلاً" إن على الرئيس أن يكون قادراً على أن يقوم بأكثر من عمل في الوقت نفسه، وهذا ما يبدو أنه يقوم به فعلاً، على الأقل في الجانب الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي