رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التقاعد والتأمين وجهان لعملة واحدة

قد يستغرب البعض حينما أصل إلى نتيجة مفادها أن نظام التقاعد المعمول به لدينا هو ضرب من ضروب التأمين. فإذا تمعنا في الأمر وفهمنا فلسفة النشاط التي تمارسها شركات التأمين وقسنا ذلك على نظام التقاعد وما تقوم به المؤسسة العامة للتقاعد نجد أن هناك تشابهاً كبيراً بين التأمين والتقاعد من حيث الروح والفلسفة والغاية، فالمؤسسة العامة للتقاعد هي في حقيقة الأمر تمارس تقريباً نفس مفهوم التأمين الذي تمارسه الشركات، فهي تحصل من الموظف العام على أقساط شهرية من الراتب تحت اسم حسميات التقاعد وهي تلتزم مقابل الحصول على هذه الحسميات بأن تدفع للموظف أو لورثته راتباً تقاعدياً وفق شروط معينة. والتأمين يقوم على الفكرة نفسها، فأقرب أنواع التأمين لنظام التقاعد هو ما يعرف بتأمين الحماية والادخار، حيث يقوم المؤمن له بدفع أقساط مقابل الحصول مستقبلاً على مبلغ مالي كحصيلة لما سبق أن دفعه لشركة التأمين. وما قيل عن نظام التقاعد ينسحب على نظام التأمينات الاجتماعية كذلك، فما تقوم به المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية يشابه ما تقوم به شركات التأمين أو ما تقوم به كذلك المؤسسة العامة للتقاعد، فعمل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية يتمحور حول فرعين رئيسيين وهما فرع الأخطار المهنية، ويشمل تقديم التعويضات اللازمة في حالات إصابات العمل وفرع المعاشات ويشمل تقديم التعويضات في حالات العجز غير المهني أو الشيخوخة أو الوفاة.
فهذه الثلاث: (شركات التأمين ـ المؤسسة العامة للتقاعد ـ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية) تمارس التأمين ولكن كلا منها وفق فلسفتها الخاصة، فالمؤسسة العامة للتقاعد (زبونها) هو الموظف الحكومي سواء أكان مدنياً أم عسكرياً، بينما المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية (زبونها) هو الموظف في القطاع الخاص مواطناً أكان أم وافداً. والدليل على وحدة الفلسفة التأمينية بين عمل المؤسستين هو نظام تبادل المنافع الذي صدر عام 1424هـ والهادف إلى إيجاد التكامل بين نظامي التقاعد والتأمينات الاجتماعية.
وإذا كانت هذه الفلسفة التي تحدثت عنها واضحة بالنسبة للقارئ، فيمكن له أن يعرف ـ بعد ذلك ـ أن نقطة الخلاف الرئيسة بين ما تمارسه هاتان المؤسستان وبين ما تمارسه شركات التأمين هو أن التأمين الذي تمارسه الدولة على موظفي القطاعين العام والخاص من خلال هاتين المؤسستين هو تأمين إجباري لا خيار للموظف فيه، فالدولة لا تستأذنه في تحصيل القسط أو الاشتراك، فهو مفروض عليه دون أن يكون له الخيار في مبلغ الاشتراك من حيث طريقة دفعه أو قيمته أو نوع التغطية أو التعويض أو مقدار الراتب التقاعدي. كما أن الصفة التجارية أو مسألة المرابحة لا تكون ظاهرة في العلاقة بين الدولة وموظفيها أو موظفي القطاع الخاص رغم أن هاتين المؤسستين تديران استثمارات ضخمة روافدها اشتراكات أو حسميات رواتب الموظفين. كما أنه قد يصل الأمر إلى أن ورثة الموظف لا يحصلون على أي نصيب من راتب مورثهم التقاعدي، ورغم أن هذه المسألة هي محل نقاش وجدل واسع إلا أنها تظل مخالفة لمفهوم الادخار الذي يقوم عليه التأمين التجاري وهو النوع الذي تمارسه شركات التأمين ويمكن اللجوء إليه اختياريا للحصول على عائد مادي مجز، ولتلافي أيضاً السلبيات التي يمكن أن تحدث نتيجة وجود بعض جوانب النقص في نظامي التقاعد والتأمينات الاجتماعية. وختاماً فإنني أطلب من شركات التأمين دراسة هذين النظامين وفهمهما ومن ثم طرح برامج متوافقة مع الشريعة ومع نظام التأمين التكافلي تناسب واحتياجات المتقاعدين، بحيث يمكن الوصول إلى ما يمكن أن نسميه تجاوزاً بنظام تكامل المنافع بين أنظمة التأمينات الاجتماعية والتقاعد والتأمين التجاري، أو بين التأمين الاجتماعي الإجباري وبين التأمين التكافلي الاختياري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي