رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"

كيف يتوقع الشعب الفلسطيني المناضل أن يستعيد شبراً واحداً من الأرض التي لا تزال تحت أقدامه وهو لا يحكمها، ناهيك عن القسم الأكبر من الأرض التي اغتصبها الصهاينة المجرمون، وهو يدير شؤونه بلا قيادة موحدة يقابل بها ذلك العدو الشرس والمسرف في العدوانية وسوء الخُلُق, ويواجه بها المجتمع الدولي الذي لا يستمع إلا إلى الدعايات الصهيونية الكاذبة؟ أما إن كان وجود قيادات الفصائل والحركات الموجودة حالياًّ على الساحة الفلسطينية هو أقصى ما وصل إليه طموحه, فقل على القضية السلام. ولا عجب أن تتحول الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عبر السنين من سيئ إلى أسوأ بالنسبة لمعاملة سكان الأراضي المحتلة، ولا نجدها تحبذ الاستمرار في التفاوض على مستقبلهم، لأن تلك الحكومات ترى أمامها أمة مشغولة بنفسها تحت زعامات متعددة ليس من أولوياتها حمل هموم الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره, فاستغل عدوهم فرصة تفرقهم لينهب منهم الأرض والموارد، ويُحكم عليهم الحصار الاقتصادي والثقافي والإعلامي, ويمزق مدنهم وقراهم بما يُسمى (الجدار العازل).
 أنكر عليهم حقهم في الوجود على أرض فلسطين, وهم الذين كانوا يعيشون عليها منذ آلاف السنين، ليحل محلهم شواذ الأرض من اليهود والمتهودين الذين لم يكونوا قد سمعوا من قبل عن شيء اسمه فلسطين! جاءوا إلى أرض فلسطين من جميع أصقاع الأرض وتحولوا إلى أشبه بالكلاب المسعورة، وبمباركة من دول استعمارية عدوانية تضمر الشر والحقد لكل ما هو عربي وإسلامي. كذب اليهود على أنفسهم بأن لهم الحق في طرد السكان الأصليين من فلسطين وبناء مستوطناتهم على أرضها الطاهرة, وصدَّقوا كذبتهم. والآن يحاولون إخراج سكان الأراضي المحتلة من الفلسطينيين داخل ما يُسمى بالخط الأخضر أو عرب 48، وهم الذين كانت لديهم الشجاعة عام النكبة وصمدوا في بيوتهم رغم التهديدات التي كانوا يتعرضون لها آنذاك من قِبَلِ العصابات الصهيونية المتوحشة، أيام دير ياسين, وما أدراك ما دير ياسين.
أما زعماء وقياديو الفصائل والحركات الفلسطينية، وبعضهم قد أفنى عمره المديد في موقعه غير المفيد، فلا يزالون يجتمعون ويتفرقون, ثم يجتمعون وينفكون، طمعاً في أن يعود الطرف الآخر إلى رشده ويتنازل أو يتنازلون حتى يفوز فريق واحد ويكسب معركة قيادة الشعب الفلسطيني، حتى لو لم يكن قد اختارهم الشعب، وهذا أمر مستحيل الحدوث, لأن شيئا اسمه التنازل بينهم يُعدُّ من المحظورات, واجتماعاتهم للحوار والمصالحة التي أشغلوا بها أنفسهم وروَّجوا لها في وسائل الإعلام لا قيمة لها، وأقلَّ ما يُقال عنها أنها مضيعة للوقت. ومعظم المصالح الفلسطينية الآن مُعطَّلة بسبب غياب سلطة موحدة تمثل الشعب بجميع طوائفه, ولعل الوضع المزري الذي يعيشه سكان قطاع غزة بعد العدوان الإجرامي الصهيوني وتأخر صرف المعونات العربية والدولية لأهل القطاع, لا يعدو كونه نتيجة للخلافات بين المانحين والقيادات الفلسطينية المختلفة، وهو أكبر دليل على خطورة وجسامة عدم اتفاق الأطراف الفلسطينية المتناحرة، بينما المواطنون هم الذين يتحملون العبء الأكبر من جرَّاء هذه الفوضى التي لا نهاية لها. وبعض الفصائل والحركات لا تزال مُصرَّة على مبدأ مواصلة المفاوضات مع حكومة العدو الصهيوني من موقع ضعف، وهي التي لم تكن تُجدي نفعاً ولم تجلب لهم خيراً قط خلال السنوات الماضية, حتى عندما كانت القيادة الفلسطينية شبه موحدة وتتمتع بتأييد دولي أكبر. ومن الطريف أن الطرف الفلسطيني الذي يرى وجوب استئناف المفاوضات يُهدد حكومة نتنياهو الجديدة بأنها إذا لم تعترف بالاتفاقات ونتائج المفاوضات السابقة معه فإنه لن يستأنف المفاوضات مع الإسرائيليين، وهو بطبيعة الحال ما يتمناه اليهود الذين يرغبون في تجميد الاتصالات حتى يتفرغوا للتوسع الاستيطاني وخلق واقع جديد مع مرور الوقت, ومن البديهي أن الطرف الأضعف لا قيمة لشروطه.
وربما أن الحل الأمثل للوضع الفلسطيني, هو إعفاء جميع قيادات الفصائل والحركات المختلفة وإلغاء مراكزهم ومؤسساتهم وإجراء انتخابات عامة وحُرَّة تحت إشراف الجامعة العربية، من أجل اختيار مجموعة من الرجال ذوي الإخلاص والأمانة، الذين بدورهم ينتخبون أحدهم ليرأس الفريق ويكون القائد الفعلي للشعب الفلسطيني. شعب واحد وقيادة موحدة خير من تعدد الأحزاب والقيادات خلال هذه المرحلة العصيبة. وإذا شاء الله وقدَّر لهم النصر وحصلوا على ما ضاع من حقوقهم وصارت لهم حكومة مستقلة، فبإمكانهم آنذاك أن يُكوِّنوا ما يشاؤون من الأحزاب. ولقد ابتُلي الشعب الفلسطيني من أول عهده خلال الـ 60 عاما الماضية بكثير من النكبات المؤلمة، فَقَدَ خلالها جزءاً كبيراً من أرضه وكامل هويته وحريته، إضافة إلى الابتلاء العظيم الذي يتمثل في تعدد قياداته التي كانت سبباً في ذهاب ريحه, ولذلك تجد الشعب الفلسطيني اليوم منهكا وفي حالة ضعف شديد ومسلوب الإرادة، وهو ما يُسعِد عدوهم.
كل هذا والدولة اليهودية لا تزال تتسلَّم من حليفتها الولايات المتحدة كميات كبيرة من العتاد الحربي المتطور، وهي التي خرقت خلال هجومها الغادر على قطاع غزة القوانين الدولية واستخدمت سلاحا محظوراً ضد المدنيين العُزّل، بشهادة خبراء دوليين، بينما الشعب الأعزل والمستهدف لا يُسمح له اليوم بالحصول ولا على طلقة نارية واحدة, وفوق ذلك فقد أحكم المعتدي على الضحية حصاراً ظالماً من الجو والأرض والبحر. ولو أن الحصار المضروب على الفلسطينيين جاء فقط من إسرائيل، لقلنا إنها تستعرض عضلاتها لأن لها اليد العليا على الساحة، ولكن الأمر أكثر غرابة إذا علمنا أن هناك دولاً أجنبية تزعم أنها "متحضرة"، بل دولاً عربية تزعم أنها "شقيقة"! تساند حصار اليهود للفلسطينيين وتمنع كلَّ ما يقع تحت يدها من الوصول إلى الشعب المحاصر من مواد غذائية وأدوية وسلاح, وكأنهم جميعاً يريدون الإجهاز على منْ لم يُقتل من الفلسطينيين بالصواريخ وآلات الدمار الأخرى, أو بمعنى أدق، الكل يحاول خنق الشعب الفلسطيني المسكين وهو على وشك أن يلفظ أنفاسه، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي