الحاجة إلى جمعية للعاملين في القطاع الخاص؟

أليست سعودة القطاع الخاص من أولويات وزارة العمل؟ أليست الإستراتيجية الأولى للخطة الخمسينية الثامنة تنص على "زيادة إسهام القوى الوطنية في القطاعات التنموية واستمرار إحلال العمالة الوطنية محل الوافدة"؟ فسعودة القطاع الخاص مسؤولية مشتركة من قبل عدة أطراف وإن كانت وزارة العمل هي المرجع الأول لموظفي القطاع الخاص. لعل وزير العمل الدكتور غازي القصيبي أحسن في تشخيص واقع السعوديين في القطاع الخاص حين قال "إن الوزارة تحاول توظيف من لا يرغب في الوظيفة عند من لا يرغب في توظيفه". لكنه لم يخبرنا كيفية التعامل مع هذا الواقع؟ وما الحل؟
وما الأهم والأولى في هذه المرحلة: تشجيع السعوديين للعمل في القطاع الخاص أم تشجيعهم العمل في القطاع الحكومي؟ لماذا ظلت نسبة سعودة القطاع الخاص محدودة لا تتجاوز 13 في المائة؟ وما الخطوات العملية أو السياسيات الإجرائية من أجل تحويل الخطط إلى آليات ومن آليات إلى برامج عملية قابلة للتنفيذ؟
وماذا عملت وزارة العمل من أجل إثبات للمقبلين على العمل أن بيئة وأرضية العمل في القطاع الخاص أرضية صلبة وبيئة صحية وليست هشة؟ وما استعدادات الوزارة لاستقبال الشباب الذين هم على وشك الانتهاء من بعثاتهم الدراسية؟ وكيف ينظر هؤلاء الشباب المقبلون للعمل في القطاع الخاص, خصوصا أن أقرانهم العاملين في القطاع الخاص بين خيارات أحلاها مر؟ وكيف نشجع العمل في القطاع الخاص والواقع يحكي لنا أن عديدا من السعوديين العاملين في القطاع الخاص يعيشون حالة من الترقب مخلوطة بعدم الإحساس بالأمان الوظيفي في ظل غياب حماية حقيقية لهم من عدم تجديد عقودهم, وهو المصلح القانوني والمخرج لشركات القطاع الخاص لفصل السعوديين. فالعديد من السعوديين في القطاع الخاص يعانون إما من تخفيض في مميزاتهم الوظيفية أو رواتبهم، أو تخييرهم بين عدم تجدد عقدهم أو إعطائهم إجازات دون راتب، أو تغيير طبيعة أعمالهم، أو غيرها من الخيارات التي أحلاها مر. فنظام العمل والعمال يتيح لأرباب العمل عدم تجديد عقد موظفيهم, ولا يعني هذا بالضرورة فصلهم من أعمالهم.
لا شك أن القطاع الخاص لدينا لا يزال في أولويات نشأته ويحتاج إلى دعم حكومي وشعبي من أجل أن يقف على أرضية صلبة. وباعتقادي أن أول طرق الدعم الشعبي والحكومي يبدأ دائما بالسماع لصاحب الشأن وهو موظف القطاع الخاص. فالكل تحدث عن السعودة في القطاع الخاص. المسؤول تحدث عن أهمية السعودة وكيف نشرع القوانين من أجل ليس فقط دعمها بل فرضها، والتاجر أدلى بدلوه من حيث أن السعوديين يحتاجون إلى تأهيل قبل انخراطهم في القطاع الخاص، لكن المعني بالأمر وهو موظف القطاع الخاص لم يتحدث. قد يوجد بعض المقابلات العابرة مع بعض العاملين في القطاع الخاص لكن المخضرمين منهم وممن يعرفون بواطن الأمور لم تتح لهم الفرصة للحديث.
لذا فإنني أعتقد أن المعطيات السابقة وغيرها تحتم على وزير العمل المساهمة في تأسيس مجلس أو هيئة أو جمعية خاصة بالسعوديين العاملين في القطاع الخاص من أجل أن يصله همومهم بشكل مباشر, لأني أعتقد أن صوت السعوديين العاملين في القطاع الخاص لم يسمع بعد. فالوزير في حاجة إلى تشكيل جمعية من السعوديين العاملين في القطاع الخاص (وليسوا أصحاب الشركات, لأن الغرف التجارية ووزارة التجارة تقوم بهذا الدور) مرتبطة بمعاليه من أجل التواصل المباشر مع الشباب العامل في القطاع الخاص ومن أجل التعرف مباشرة على التحديات التي يواجهونها وبشكل واضح وصريح. قد يكون جزء من المشكلة أن من يعمل في وزارة العمل أو في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية موظفون حكوميون ولم يكتووا بنار العمل في القطاع الخاص, خصوصا حالة الترقب السنوي التي يعيشها موظفو القطاع الخاص بين تجديد العقد وعدم تجديده.
المعاناة التي يعانيها العاملون في القطاع الخاص مبكية وتجبر "مدور العيشة" من الشباب السعودي على التنازل عن بعض حقوقهم النظامية لأن عدم تنازلهم عنها وتقديم شكوى سيقود إلى عدم تجديد عقودهم المستقبلية. ولعل من لديه التزامات عائلية ومالية تجعله يرضى بالمر خشية من حصول ما هو أمر منه.
فالمرحلة الحالية تحتم أن ندعم كل ما من شأنه تغير نسبة السعوديين العاملين في القطاع الخاص, حتى يشكلون أكثرية وليسوا أقلية كما هو الواقع. فكتب إدارة الموارد البشرية مجمعة على تعرض الأقليات العاملة لظلم وهضم للحقوق.
أعلم أن وزير العمل لا يحب اللجان ويعتبرها قتلا للمهام التي من أجلها وضعت, لكني أجد أن السعوديين العاملين في القطاع الخاص في حاجة إلى جمعية تحمي حقوقهم وتكون نواة للتواصل المباشر مع الوزير. فالمتقاعدون لديهم جمعية تطالب بحقوقهم وتؤدي دورا فاعلا وتشكر عليه, لكننا لا نجد من يرعى من هم على رأس العمل وهم الأكثرية. كما أن غالبية أعضاء مجلس الشورى من العاملين في القطاع الحكومي, لكن العاملين في القطاع الخاص لا بواكي لهم. فمثلا تم تجاهل متقاعد القطاع الخاص من بدل غلاء المعيشة، على الرغم من كون المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات مؤسستان حكوميتان. فلم يكن لمتقاعدي القطاع الخاص طريق إلا عن طريق جمعية المتقاعدين مما يوضح أن السعوديين العاملين في القطاع الخاص صوتهم مبحوح وبعيد عن صانع القرار الإداري. فهل نرى جمعية توصل صوت العاملين للقطاع الخاص وتتم رعايتها من قبل وزير العمل؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي