قطاع العقارات في دبي والوقوف مرة أخرى
في تقرير صدر من بنك يو بي إس في الإمارات نهاية الأسبوع الماضي، تم وصف سوق العقار في دبي بأنها ما زالت في مرحلة مبكرة في دورة الهبوط. أي أن هناك توقعا بمزيد من الانخفاض في أسعار عقارات دبي بسبب تراجع مستويات الطلب وامتناع البنوك أو تحفظها عن الإقراض العقاري. ويأتي هذا التقرير مؤكداً لتقارير بنوك أخرى أن مرحلة التصحيح في سوق عقارات دبي ما زالت في مراحلها الأولى خصوصاً أن وتيرة ارتفاع الأسعار وتكون فقاعة سوق العقار قد أخذت مدى سنويا طويلا يصل إلى 15 عاماً في دبي تسارعت في آخر خمس سنوات لترفع أسعار العقارات في فترة قصيرة نسبياً بنحو أربعة أضعاف. ويدل تضاعف الأسعار بنحو أربعة أضعاف خلال خمس سنوات على تفوق الطلب على عرض الوحدات العقارية مع العلم أن العرض في سوق عقارات دبي كان يتحرك بصورة سريعة لمقابلة الطلب المتزايد إلى درجة أن نحو ربع رافعات الإنشاء في العالم اجتمعت في دبي.
التكون السريع لفقاعة سوق العقار والهبوط الدراماتيكي الذي لم نصل إلى قاعه بعد يدل على أن مستويات الطلب في سوق عقارات دبي كانت مدفوعة بأهداف مضاربة واستثمار في الدرجة الأولى. بمعنى آخر، على الرغم من ارتفاع مستويات الطلب التي أدت إلى تكون الفقاعة إلا أن نوعية الطلب كانت هي الدافع وراء الصعود والهبوط السريعين في أسعار العقارات. فالمضاربون والمستثمرون كانوا يتوقعون استمرار ارتفاع أسعار العقارات إلى ما لا نهاية من خلال تدوير الوحدات العقارية والاستثمار في وحدات عقارية بالجملة وتجزئتها لمستثمرين آخرين يتعاملون بالتجزئة لأغراض المضاربة والاستثمار أيضاً. كما أن عمليات الاستثمار والمضاربة في سوق العقارات الإماراتية تضخمت بشكل سريع نظراً لترحيب البنوك بتوفير التمويل العقاري المطلوب للشركات والأفراد طالما كانت الأرباح الرأسمالية للعقار تضمن حصة البنك أو شركة الإقراض عند اعتبار الوحدات العقارية كرهونات للقروض. وحين كانت المضاربات محمومة في السوق العقارية، كانت البنوك تنظر إلى عمليات التمويل العقاري بارتياح لانخفاض المخاطرة نظراً لارتفاع القيمة الرأسمالية للوحدات العقارية المرهونة أصلاً مقابل الديون. إذن، تكونت الفقاعة في سوق العقار الإماراتية وارتفعت أسعار الوحدات العقارية لدرجة عدم التمكن من إيجاد مستأجرين للوحدات العقارية بإيجارات تتناسب مع حجم الاستثمار في الوحدات العقارية. هذه الثغرة التي تكونت بين قيمة الاستثمار أو شراء العقار مع أسعار الإيجارات والعائد عليها كانت مؤشراً مبكراً على قرب انتهاء فقاعة الأصول العقارية في دبي. ففي النهاية، ولتحقيق العائد المرجو من الاستثمار، يحتاج المستثمر النهائي إلى السكن في العقار الذي يملكه بقيمة تساوي قيمة الاستثمار أو تأجير الوحدات العقارية بعائد يتناسب مع حجم الاستثمار أو إغلاق الباب وانتظار إرتفاع الأسعار والحصول على أرباح رأسمالية فقط. ونظراً لعدم وجود المستأجرين بالأسعار التي يستطيعون دفعها والتي تقل عن الأسعار التي يرغب فيها المستثمرون نظراً لارتفاع سعر شراء الوحدات العقارية ومع وصول تبعات الأزمة المالية العالمية للمنطقة وشح السيولة وتحفظ البنوك في الإقراض، بدأت الأسعار في الهبوط بشكل دراماتيكي مع وجود كميات عرض كبيرة من الوحدات العقارية التي كانت محور المضاربات لا تجد أي نوع من الطلب في أغلب الأحيان. وفي بعض الحالات التي قام فيها مستثمرون بشراء وحدات عقارية بهدف الاستثمار من خلال الاقتراض البنكي، وجد المستثمرون أن انخفاض أسعار هذه الوحدات نحو 40 إلى 50 في المائة مع توقع انخفاضات أكبر يجعل من الالتزام بتسديد أقساط القرض البنكي أمراً غير ذي جدوى على الأقل في الأعوام الخمسة المقبلة. لذا، شهدت البنوك العاملة في الإقراض العقاري بعض حالات الإفلاس والتخلف والامتناع عن التسديد ما يجعل محفظة البنوك مثقلة بوحدات عقارية مرهونة تقل قيمتها السوقية بكثير ولا يوجد طلب محلي عليها بالأسعار الحالية، ما يفاقم من حدة الوضع ويضيف إلى تسارع انخفاض الأسعار.
وختاماً، لن يكون انفجار فقاعة القطاع العقاري في دبي نهاية المطاف لقصة النجاح المبهرة، فقوانين السوق تحتم الوصول إلى القيمة الحقيقية للأصول بعمليات تصحيح حادة وبانهيارات في قيم الأصول أحياناً. فإذا ما تم التعامل مع تصحيح قوى السوق بحرفية وبإصرار على تحسين البيئة التشريعية والتنظيمية ومستويات الشفافية بجانب الحفاظ على مكتسبات الحرية الاقتصادية والاجتماعية التي وصلت إليها دبي، فإن دبي ستكون من أوائل الاقتصادات التي تنهض بعد هدوء عاصفة الأزمة المالية العالمية.